موسكو: حلف لدحر داعش أم لإطالة عمْر النظام؟!

بشار الاسد
إتفاق رباعي للتخلص من خطر داعش، هذا ما اقترحته روسيا لحلّ أزمة تمدد داعش، ولكن مما يتألف هذا الحلف؟ وهل سينجح في استئصال الإرهاب المنتشر في المنطقة؟ وكيف تلقف النظام السوري هذا الخبر؟

استدعت موسكو وزير خارجية النظام السوري على وجه السرعة، وأبلغه الرئيس بوتين بخطة موسكو الجديدة بقيام حلف رباعي لمواجهة المدّ الداعشيّ والقضاء عليه. ويتألف هذا الحلف من: تركيا، السعودية، الأردن، العراق. بالمباركة والتنسيق مع دمشق الشيطان الأكبر.

1- إن أول ما يتبادر إلى الذهن هو سقوط نظرية النظام التي يرددها مع محور الممانعة 70 مرة كل يوم، وهي نظرية “الحرب الكونية”. فالكلام الجديد يثبت للمراقب أن “الحرب الكونية” ما هي إﻻّ مقولة كاذبة.

2- نعم قد تكون موسكو بحثت قيام المحور مع واشنطن، والأخيرة بالطبع ﻻ تمانع، ﻻعتبارها مصدر السلاح وﻻ يضرها في الأمر شيء. فروّجت موسكو أنها متفقة معها بهذا الشأن.

فالكلام الجديد يثبت للمراقب أن “الحرب الكونية” ما هي إﻻّ مقولة كاذبة

ولكن، لنسلّم أن ذلك صحيحًا فالمشكلة ليست في الجبّار والقزم، بل في دول الإقليم المسماة والتي تخنقها الأزمات حتى الموت بسبب فشلها الذريع في بناء الدول القابلة للحياة.

3- نبدأ من تركيا التي أدركها الكابوس المزعج، وهو بدء وصول الكرد إلى البرلمان (80 نائبًا) واستنهاض الحلم الكردي القومي من شمال العراق إلى شمال سوريا، فهل يمكنها الدخول في حلف رباعي لم تخطط له؟

بل هو يقضي على الخصم الداعشي وسيّان لديها حضوره أو غيابه، والأسوأ أنه يزيل عدوًا عنيدًا من درب حلم الدولة الكردية التي هي بمثابة جبّار صغير يقوم على تخوم تركيا الجنوبية. وبذلك تقدم خدمة مجانية لدخول الدب الكردي إلى داخل البيت التركي. مقابل ماذا؟.مقابل المحافظة على النظام السوري.

وكانت أنقرة أعلمت العالم أنها مستعدة للقضاء على داعش نهائيًا مقابل الإطاحة بالنظام، لأنه السبب الأساس في تنامي الإرهاب وانتشاره بقوّة ولكن لم يسمعها العالم

وكانت أنقرة أعلمت العالم أنها مستعدة للقضاء على داعش نهائيًا مقابل الإطاحة بالنظام، لأنه السبب الأساس في تنامي الإرهاب وانتشاره بقوّة ولكن لم يسمعها العالم. الآن هل تقبل أن يجرها العالم إلى فخ ﻻ ناقة لها فيه وﻻ جمل. وهي الدولة الإقليمية الأدرى بمصالحها.

4-السعودية، أتقبل بمحاربة داعش مع جيش الإمام المهدي وأبا الفضل العباس و”الحشد” الذي يطهّر العراق من دواعش السنة تحت شعار “يا لثارات الحسين”. إضافة إلى فيلق القدس، لصالح قاسم سليماني الذي يدير العمليات على أرض اليمن السعيد مع الحوثيين الذين حاولوا وما زالوا لإسقاط الرياض والقاهرة عسكريا؟! وهم معهما في حرب مستمرة وغير مباشرة بل ومدعومة بالمال والسلاح والمشروع الإيراني، بمطامحه النووية والحيوية ضد المنطقة العربية، وفي ظل الجَزْر العربي الراهن؟!

5-الأردن، يقاتل داعش في الخارج وهي بامتداداتها في الداخل. ويعمل على إنقاذ النظام السوري الذي تسبب له بأزمة ﻻجئين هي الأكبر والأصعب في تاريخ المملكة.

الدول لم تعد قاصرة، وﻻ تسير بالتنظير والتمنيات، وﻻ تخبط خبط عشواء. إنها تتأمل وتتلمّس مكامن الضعف وتوازنات القوى، وتقيس بمقياس الربح والخسارة

مع العلم أن عمان عرضت هي الأخرى منطقة عازلة ورفضت دمشق وعواصم القرار معها. والآن علامَ تراهن الأردن للدخول في حرب مفتوحة خارج حدودها وهي معرّضة لكل هذه الهزات الداخلية؟ من أجل إنقاذ نظام تصدير الأزمات إلى الأردن.

داعش

6-العراق يقاتل داعش بنفس مذهبية، وواشنطن تعتمد على تسليح القبائل والسُّنة والكرد لعدم وثوقها بخطط النظام ﻻستعادة ما فقدته من أرض. فكيف لدولة تنهار ولنظام متمذهب يريد انتصار دواعش الشيعة ضد دواعش السنة أن ينتصر؟ وكيف يريد من دول الإقليم العربية وغير العربية أن تدعمه ﻻسترجاع هيبته وهو يمارس الداعشية الشيعية بدءًا بالبنية العقائدية للجيش العراقي.

7- تبقى سوريا الأسد مصدّرة الأزمات الفاشلة بكل معايير بناء الدولة، والتي تسببت كنظام بكل هذا الهريان. حتى سورية الأسد و”شيخ” الدبلوماسية الأسدية تحدّث باستهزاء عن قيام هذا التحالف الهجين. ووصفه بـ “المعجزة” فهو لم يصدق ما سمعه من الرئيس الروسي ومن خارجيته المعنية.

وهذا يعني أن الطرح الروسي جاء بعد أن بات النظام السوري بكليّته يتداعى. وبعد انفتاح الجبهات العسكرية الثلاث: حلب، حمص ودرعا على احتماﻻت أقلها يُنذر بنهاية غير سعيدة. وتأتي المحاولة في سياق تفتيش بوتين عن دور روسي بدأ يتلاشى. ومحاولة مكشوفة لمد سورية الأسد ببعض فيتامينات الحياة. باستعادة بروڤا سحب السلاح الكيماوي من يد النظام. ولكنه بالمقابل يجر على سورية مزيدًا من القتل والخراب والتدخلات.

إن مقولة الحلف الرباعي ما هي إﻻّ لعبة جديدة من ﻻعب السيرك الروسي، وهي غير واقعية في ظل ظروف غير مؤاتية. فالدول لم تعد قاصرة، وﻻ تسير بالتنظير والتمنيات، وﻻ تخبط خبط عشواء. إنها تتأمل وتتلمّس مكامن الضعف وتوازنات القوى، وتقيس بمقياس الربح والخسارة، وتحسب لموازيين القوة وللأداور التي يمكن لعبها على المسرح الإقليمي. والأهم أنها غير مستعدة لدفع أثمان سقوط الآخرين.

السابق
مصادر الداخلية: جهد كبير يبذل لتسوية الاختلافات
التالي
اشكال في مخيم الرشيدية