عدشيت والبابلية وحاروف: مقاتل حزب الله يعود لقريته.. ويده على الزناد

الإجراء المعمول به عند الجيوش من روما إلى أيامنا هذه، وهو الفصل بين المقاتل العائد من المعركة وبين السلاح.

لا شك أنّ مطحنة الحرب الدائرة رحاها في سوريا، وشراستها بالإضافة إلى طول مدّتها التي دخلت عامها الخامس، لها الكثير من الآثار النفسية والانعكاسات السلوكية على المشاركين فيها بشكل مباشر فضلا عن الآثار العامة التي سوف تنطبع بها هذه المرحلة على من عايشها، ولو من بعيد.

يعود بعد أيام معدودات إلى ضيعته محملا بكل اثقال المشاهد الدموية، وفي ذهنه عالق غبار سميك مخلوط بروائح الموت ورماد الجثث

يبقى ان المقاتل والمحارب داخل هذه الدوامة من الدم، كما هو حال كل المقاتلين عبر التاريخ، يتحملون أكثر من أي أحد آخر ما يمكن آن يترتّب على مشاهد القتل اليومي المتبادل وحالات الدمار والدخان وكل ما تفرزه الحروب من مشاهد لا إنسانية تستمرّ سلبياتها حتّى خارج ميدان القتال. هذا لأنّها تبقى في الذاكرة وفي اللاوعي عند هذا المقاتل.

ما يعنينا في هذا المجال هو حال محارب حزب الله الذي يغادر قريته أو الحي في مدينته، متوجّها إلى “الشغل” في سوريا، ليعود بعد أيام معدودات إلى ضيعته محملا بكل اثقال المشاهد الدموية، وفي ذهنه عالق غبار سميك مخلوط بروائح الموت ورماد الجثث.

ظاهرة “المقاتل العائد” تمكّن حزب الله حتّى الساعة من الإمساك إلى حدّ كبير بانعكاساتها السلبية، واستطاع إلى الآن ضبط إيقاع التداعيات التصادمية عند مقاتليه العائدين إلى قراهم. إلا أنّ ازدياد تفاقم المعركة، وتعاظم خسائرها، ناهيك عن أفقها المسدود أمام أيّ انتصار حقيقي كان قد وعد به هذا المقاتل ولم يتحقّق حتّى الساعة ولن يتحقّق في المدى المنظور وغير المنظور… ومع طول أمد المعركة (الأطول في تاريخ حزب الله)، لا يمكن لهذا الإمساك أن يصمد طويلا بدون إجراءات عملية: ليس أقلّه الإجراء المعمول به عند الجيوش من روما إلى أيامنا هذه، وهو الفصل بين المقاتل العائد من المعركة وبين السلاح.

وبناءً على ما تقدّم يمكن أن نفهم حالات الأحداث اليومية التي نشهدها منذ أيام في الجنوب وفي مناطق تواجد حزب الله. خصوصاً حالات التصادم مع شبان في حركة “أمل”، وسقوط قتلى وجرحى بينهما كما حصل في عدشيت وحاروف والبابلية وشقرا وغيرها…

صحيح أنّ التصادم بين الثنائي الشيعي له تاريخ حافل وليس جديدا، إلا أنّه في هذه اللحظة له تداعيات ويدلّ على إشارات مختلفة. فالتوافق السياسي بينهما لا تشوبه شائبة. فلا الرئيس نبيه بري في وارد إزعاج حزب الله عبر إثارة مشاكل داخل القرى كما كان يحصل في أزمنة الاستحقاقات، ولا حزب الله في وارد إضعاف برّي أكثر مما هو ضعيف حالياً، ولا هو بوارد فتح اشتباك مع حركة “أمل”.

قتلى وضحايا في هذه المشاكل والحوادث بين أطراف يكون الواحد منهم من مقاتلي الحزب

إذا الاشتباكات المسلّحة في قرى الجنوب هذه الأيام  لها مؤشرات مختلفة عن الماضي. خصوصاً أنّ الملاحظ  فيها هو مبادرة شباب حزب  الله بالإسراع في اللجوء إلى السلاح واستعماله في أصغر احتكاك مع أي “آخر”.

لا تقتصر الخسائر على أمور مادية آو حتى جرحى، بل سقط قتلى وضحايا في هذه المشاكل والحوادث بين أطراف يكون الواحد منهم  من مقاتلي الحزب.

لذا فإنّ الاعتقاد السائد في الجنوب هذه الأيام عن خلفيات التشنج والمشاكل بين مقاتلي حزب الله  من جهة وبين أبناء حركة “أمل” او أي أحد آخر، هو أنّ ابن حزب الله يعود من معاركه في سوريا إلى ضيعته، لكن رأسه يبقى في المعركة، ويده تبقى على الزناد.

السابق
جمعية الامام المهدي الخيرية في إفطارها السنويّ: نعم للحوار والمحبّة
التالي
#الخطة_الأمنية والحروب المتنقّلة