لا نساجلكم بل نلاقيكم: تعالوا إلى الوسط

علي الامين

من وسط بيروت أطلقنا صرختنا الأربعاء. من الوسط بمعانيه الجغرافية والسياسية والتاريخية، ومن بيروت، التي كانت دوماً قبلة قلوب العرب ووسطهم، ومن لبنان الذي لا يمكن إلا أن يكون لجميع أبنائه، بالتساوي.

من ساحة كلّ لبنان، من ساحة لبنان الدولة، من ساحة القصر الحكومي المعطّل حالياً، وبرلمان لبنان المعلّق، ومن ساحة الميثاق الوطني، ذهبنا لنقول إنّ قوتَنا بفكرتنا، بوحدتنا، برؤيتنا للبنان الآتي.

لنقول إنّنا مع قوّة المنطق ولسنا مع منطق القوّة. يرتسم موقعنا في الاجتماع الوطني اللبناني ممّا نحمله من أفكار، من آراء ورؤى، لا ممّا نحمله من سلاح.

نيرون مات، رغم كلّ قوّته، وبقيت روما ببهائها وقوّة وسطيتها، وهتلر مات، رغم احتلاله نصف العالم وأكثر، وبقيت ألمانيا الناس والأحلام، وها هي ديكتاتوريات الشرق تتهاوى، وسيبقى الشرق يحلم بالشمس والحريّة.

لو أنّ القوّة العددية والعسكرية هي مقياسُ الحقيقة لكانت داعش أقوى منّا جميعاً، ولكان هتلر يحكم الكوكب، لكنّ داعش إلى زوال، بطشها ونارها والمذابح التي تخيفنا بها، وشعوب العرب باقية بكل حنانها وأحلامها.

صرخنا وسنظل نصرخ بأشكال مختلفة، لأنّه ما من مهمة أشرف وأعظم من حفظ الناس وحماية لبنان من الفتنة. وتلك مهمّة أساسية لا تتحقّق إلا بمشروع وطن يعيش على أرضه مواطنون متساوون وليس رعايا طوائف ومذاهب.

طلباتنا بسيطة، نريد تطبيق الدستور، واحترام القانون، وتقديم الانتماء إلى لبنان، وطناً نهائياً واحداً حرّاً عربياً، يؤمن بالديموقراطية والحداثة. نريد لبنان الدولة الحامية والمرجع.

عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة

تلك ثوابت الرؤية الشيعيّة التاريخيّة، وتلك هي خيارات قياداتها التاريخية. لبنان الدولة والكيان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. وكلّ خلافاتنا نطرحها تحت سقف لبنان من دون هواجس وخلفيات، في حوارات مفتوحة على هذه الأُسس.

وتحقيق هذه الأهداف لا يكون إلا بالخروج من لغة التكفير وتخوين الآخر. وإلا فإن خسائرنا ستكون فادحة وانتصارنا سيكون مستحيلاً. نحن نقولها بصراحة. إتصارنا الحقيقي يكون بمشروع الدولة، وبوحدة اللبنانيين، وبمرجعيّة الدستور والقانون. ولا يكون انتصارنا ناجزاً إلا بروحيّة مواجهة الفِتن التي تهدّد ولاءَنا الوطني، ونسيجنا الاجتماعي والحضاري والدينيّ.

فلا معنى للهويّة المذهبيّة إلا إذا كانت تصبّ في بناء الدولة، ولا يمكن للهويّة المذهبية على الإطلاق أن تكون بديلاً من الهويّة الوطنيّة، ولا أن تتقدّم عليها، لأننا بذلك نتمزّق إلى هويّات وولاءات.

لإخوتنا الموافقين على سفك الدم السوري ودم أولادنا نقول: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم تحفظ الوطن وتؤكّد الولاء لمؤسّساته، لنبني معاً وحدتنا الداخلية الاجتماعيّة التي لا تقوى عليها الفِتن ولا يجتاحها الخراب.

علي الامينندعوكم إلى وقفة ضمير ومصير. وها نحن نقول ما عندنا، ولا نساجلكم، بل نلاقيكم، فقولوا ما عندكم، لكن من دون تهديد وتخوين، ومن دون تعليق المشانق للأفكار المختلفة،

لأخوتنا هؤلاء نقول: نحن معكم، ولا نريد بكم شرّاً. زقد حان وقت اللقاء والحوار، في هذه اللحظة التاريخيّة الحاسمة،
لنواجه منطق التكفير، بمنطق آخر يذهب إلى معالجو أسس التكفير ووجود من يؤمنون به، وليس بمعالجة تداعياته. تعالوا نشخّص الداء لنصف الدواء، فالمسكّنات تسمح للأمراض بقتل الجسد من دون أن يعلم.

علاج التكفير لا يكون باستباحة الحدود، ولا بإلغاء الهويّة الوطنيّة. بل بمزيد من التوحّد الداخلي ومبادئ الشراكة الوطنيّة، وبالمزيد من التمسّك بهويتنا الوطنيّة وبحدودنا وبالعقل في الحوار والنظرة إلى الآخرين.

لنسأل أنفسنا معاً: والآن… إلى أين؟ هل نمضي إلى صراعات مذهبية؟ وإلى تشكيل دول المذاهب؟ وقوانين المذاهب؟ هل المذاهبُ هل الحلُّ؟

إنّ الهويّات المذهبية هي هوايات قتلت كلّ ركّاب أمواجها، ولن تزيدنا إلا قوقعة وتمزّقاً وانهزاماً. وبناءً عليه ندعوكم إلى المساواة. ندعوكم إلى بناء دولة القانون والمواطنة، إلى دولة الهوية الوطنيّة الواحدة، إلى بناء دولة الإنسان، إلى الوسط، فالأطراف والتطرّف ألعاب موت.

 

عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة

Posted by Janoubia on Thursday, June 18, 2015

السابق
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الخميس في 18/6/2015
التالي
الخارجية الروسية: تجميد حسابات السفارة الروسية في بروكسل