السيّد الأمين: نهضة العرب والمسلمين تستوجب التكامل الاقتصادي السياسي

السيد محمد حسن الامين
حفل عصر النهضة وما تلاه في بلادنا العربية المسلمة بمحاولات قامت بها نخب مثقّفة، فانتشرت بين شرائح مجتمعاتنا عقائد وأيديولوجيات جديدة ذات أصول قومية وإسلاميّة كان من شأنها أن بعثت وعيا جديدا في تلك المجتمعات، ومع مرور الزمن نشأت أنظمة وزالت أنظمة غير أن الحال لم يتبدّل وبقي التخلّف على حاله، فلماذا فشلت النهضة في بلادنا وما هي شروطها؟

حملنا هذا السؤال الى سماحة العلامة المفكّر الاسلامي السيّد محمد حسن الأمين فأجاب متحدّثا عن تجربتي القومية والاسلام السياسي في بلادنا قائلا:

“أنا أوافق الرأي القائل أن المرحلتين السابقتين بعد انحلال الأمبراطورية العثمانية والتي نشأ بعدها مرحلة النهوض القومي وأخذ فترة من الزمن ليست بالوجيزة وما تلاها أي المرحلة الثانية التي استعادت شعارات الإسلام والوحدة الإسلامية وعلى رأسها شعار الإسلام هو الحلّ، أن هاتين المرحلتين فشلتا في تحقيق المرجو من النهضة القوميّة، وكذلك، فشلتا في النجاح في إرساء النهضة الإسلامية، وأكاد أقول إن مرحلة الإسلام هو الحلّ، كانت هي الصدمة الأشد وجعاً لتطلعات الأمّة العربية والإسلامية في إحداث هذه النهضة المرجوّة، لذلك فإن المفكّر حين يحيل في ذهنه عناصر تلك المرحلتين، وما آل إليه الأمر بعدهما، وخاصة ما نشهده في هذه المرحلة الراهنة من تراجعات ومن سيادة منطق العنف والدمّ والتكفير، واستخدام الإسلام وسيلة للسلطة فإننا مدعوون كمفكرين على الأقلّ لإنتاج رؤيا مختلفة تقوم على نقد المرحلتين السابقتين سواء منها منظومة الفكر القومي وتجسّداتها بأنظمة سياسة، المتجسدة بأطر من الأحزاب والطوائف والتجمّعات. فالمرحلة القومية تحوّلت إلى تكريس لواقع الانقسام والتشتّت وتشكل الدول المستقلة من جهة، كما أنها وقعت في شرك الأنظمة الدكتاتورية المتخلّفة والتي لم ترافقها حركة تنمية اقتصادية كما حصل في بعض الدكتوريات السابقة في التاريخ وحتى في الاتحاد السوفياتي الذي استطاع رغم دكتاتورية البشعة من إحداث تنمية وإقامة دولة قويّة أسقطتها فيما بعد الدكتورية وحجب الحريات عن شعوب هذه المؤسسة المسماة الاتحاد السوفياتي.

الأمانة التي حملها الإنسان جعلها معياراً للالتزام بمهمة إعمار الأرض

وعن العوامل التي ساهم تقابلها في إحباط المشروع النهضوي في المنطقة العربية يقول السيّد الأمين: “يمكن أن نميز بين عاملين أحدهما العامل الفكري الذي تضمنته بعض النظريات القومية، والذي يشكّل رؤية متقدمة وإيجابية لمشروع النهضة، وبين عامل آخر أفسد هذه الجوانب الإيجابية عندما مكّنت الأمّة الحكام من استلام السلطة، ومن خلال الطبقة العسكرية. فلهذه الأنظمة حكمها المزاج العسكرية وكرّس فيها الاستبداد وقمع الحريات ولم يقدم في مقابل هذا الاستبداد ولو قليلاً من خلال إنشاء تنمية وتفاعل اقتصادي وتكامل بين هذه الدول القومية أو الوسط. وكان الشعور باضطهاد السلطات القومية أحد الدوافع لطرح المشروع الإسلامي، ولكن من الملاحظ أن المشروع الإسلامي كان شعاراً يمشي العواطف الدينية ورغبة الأمّة في استعادة ماضيها المجيد دون أن يمتلك أي مشروع معاصر متكامل مناسب مع حركة الشعوب وتطوّرها في عالمنا المعاصر، مما ثبّت أن قاعدة “الإسلام هو الحلّ، لم تكن عنواناً لمشروع تفصيلي لمعالجة الموضوع والاجتماع والحريات والتنمية والديموقراطية، وانقسمت الاتجاهات الدينية على بعضها”.

وينتقد السيّد الأمين الاستغراق في استعادة التجارب التاريخية فيقول: “وبدلاً من أن تتطور الاتجاهات الإسلامية وأن تتكافل في بناء مشروعها النهضوي أخذت تستعيد من الماضي التاريخي السلبيات التي كان لها الدور الكبير في انقسام المجتمع الإسلامي، ولم يكن لديها رؤية للتجدّد الحضاري الذي يقوم فيما يقوم عليه على نقد الماضي وعلى استلهام عناصر الإيجابية التي كوّنت ما أسميه بالنهضة الحضارية الأولى التي عرفها زمن البعثة وعرفها بشكل شامل جزء كبير من العصر العباسي والذي شكل النموذج الحضاري الأرض في العالم آنذاك ولمدّة قرون”.

ويتابع السيّد الأمين: “السؤال الآن ما هي الأسس التي يمكن أن تقوم عليها النهضة القومية العربية والإسلامية التي لا بدّ منها؟

أولاً هو إزالة التناقض بين كل من الاتجاهات القوميّة والاتجاهات الإسلامية وأن يصار إلى رؤية توحّد بين عناصر النهضة ببعديها القومي والإسلامي معاً وفي إحساس المشروع الذي نقترحه هو أن يتمّ الحوار والتوافق على مبادئ مشتركة تستدعيها هذه النهضة وأن نتذكّر أن الشعار محاربة الاستعمار والغرب وحتى الاحتلال الصهيوني البغيض لا يلخّص جميع المهمات المشتركة بين الاتجاهين القومي والإسلامي. إن من وجهة نظرنا أن التركيز على مبادئ الحرية ومشاريع التنمية، وبالأخص مشروع التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية هو العنصر الذي يجعل آفاق الوحدة السياسية أقرب تناولاً من المشلريع العاطفية، بل أن التكامل الاقتصادي من شأنه أن يفرض مستويات من التعاون والتكامل من شأنها أن تجعل من هدف الوحدة الإسلامية هدفاً واقعياً وبعيداً عن الرومنسية التي أحاط بها القوميون مشروع الوحدة العربية وأحاط بها الإسلاميون مشروع الوحدة الإسلامية.”

المرحلة القومية تحوّلت إلى تكريس لواقع الانقسام والتشتّت وتشكل الدول المستقلة من جهة

إذن، فلا بدّ من الالتزام بالحرية والديموقراطية للشعوب، وأن تسعى الأنظمة للتكامل الاقتصادي مقدمة للتكامل السياسي، ينهي السيّد الأمين ويقول: “باختصار فإن وسائل قيام النهضات في دول العالم المتقدّم هي وسائل معروفة ومطروحة ويمكن الاستفادة منها دون التخلّي عن الهوية. واذا كان بعض الإسلاميين الذين يظنون أن الله سبحانه وتعالى تكفّل بهبة المسلمين النهضة والتفوّق بين الشعوب وسيادتهم على العالم تكفلاً مجانياً، فانه على العكس من ذلك،إذ لا بد أن يأتي عنصر نهوض تحت شعار “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” أي أن النهضة لا يحدثها جانب واحد من جوانب التمسك بالإسلام بل لا بدّ من المكابدة التي حصل النهضات يدونها وبالأساس فإن الله تعالى يقول “ولقد خلق الإنسان في كبد”. كما أنّ الأمانة التي حملها الإنسان جعلها معياراً للالتزام بمهمة إعمار الأرض، لا يمكن للمسلمين تحقيقها إلاّ بامتلاك عنصري الغاية والوسيلة، وغاية الأمانة هي الوصول إلى الله تعالى وسجلها هي الجهد البشري الذي ينتج حضارة مرفّهة للكائن الإنساني، فإنّ الغرب استطاع حمل مادة هذه الأمانة وهي التطوّر العلمي والمعرفي ولكنه نسي غايتها التي هي الوصول الى الله تعالى، والمسلمون عرفوا غاية هذه الأمانة وهي الله سبحانه وتعالى لكنهم فشلوا في تحقيق مادتها التي هي الحرية واكتساب العلم، هذه بنظرنا هي العناوين الفكرية لمشروع نهضة ما يزال ممكناً على المستويين القومي والإسلامي”.

السابق
طيران العدو الاسرائيلي خرق اجواء مرجعيون
التالي
كفانا نلوم يزيد ونشكو اليهود