معارك إيران المقبلة

ايران

يتناقل الإيرانيون سواء مباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقائعَ أو رؤىً، ومؤخراً نكاتاً، ترسم الوضع في البلاد أو آرائهم مما يعيشونه من احداث داخلية وخارجية، بطريقة لافتة للانتباه. ولتلك الحال ثلاثة وجوه، كل واحد منها يجسد حدثاً يعيشه الإيرانيون حالياً. من ذلك:

* إن الرئيس حسن روحاني سيبقى حيّاً ورئيسا للجمهورية ست سنوات اخرى ، اي انه سيكمل ولايته الرئاسية الاولى التي سيبقى منها في حزيران/يونيو المقبل، عامان، ثم يضاف الى ذلك اربع سنوات هي الولاية الثانية، إذ يبدو أن الإيرانيين أصبحوا متأكدين من فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة منذ الآن.

وفي الوقت نفسه، فإن المرشد، آية الله علي خامنئي، قد لا يكون موجوداً من اليوم حتى ست سنوات بسبب مرضه. وإذا كان من الصعب تحديد زمن الحياة والوفاة، فإن الكلام الشعبي المتداول يشير بوضوح إلى رغبات شعبية لمسارات السلطة في البلاد. أيضاً وهو مهم جداً، فإن التداول الشعبي حول خلافة خامنئي أصبح عامّاً وعلنياً. ولذلك، فإنه يتم تداول اسم حسن روحاني لخلافة خامنئي علناً.
تعليل هذا الاحتمال، الذي يبدو للخارج غريباً، يكمن في أن خامنئي لم يكن عالماً أكثر من روحاني، وأنه كان رئيساً للجمهورية مثل روحاني أيضاً. يضاف الى ذلك، أن روحاني حصل على الدكتوراه من الخارج، وهو يتناسب مع حالة الانفتاح باتجاه الخارج. وبطبيعة الحال، في الداخل يرى الكثيرون أن روحاني النظام يمكنه المحافظة عليه من دون انهيار إيران.
* إلغاء شعار “الموت لأميركا”، قد احدث فراغاُ ضخماُ في التعبئة الشعبية، وفي التظاهرات. لذلك، لم يكن امام النظام سوى العثور على شعار جديد يضمن التجييش الشعبي المطلوب، للتأكيد على استمرارية الثورة، فكان الشعار الجديد “الموت للسعودية”، بعدما كشفت الأحداث في اليمن عمق التنافس الإقليمي والعداء المذهبي والأيدولوجي بين ايران والسعودية.

ولا شك أن حالة من استنهاض الشعور القومي والإجماع على السياسة الخامنئية في الملفين، النووي، وجعل إيران قوة إقليمية عظمى لها حق القرار، تسود الجو الشعبي الى درجة أن معارضين للنظام منذ بداياته انضموا إلى حملة المتشددين واصطفوا الى جانبهم في الدعوة للتخلص مرة واحدة من السعودية.
* رفع إيراني دعوى أمام المحكمة، بأنه اثناء تأديته لمراسم الحج قبل عشر سنوات تم التحرش به جنسياً. سأله القاضي: ولكن لماذا لم ترفع الدعوى فور عودتك من الحج قبل عشر سنوات؟

فأجاب: “لم أكن أعرف أن التحرش في الحج جريمة، وسيُصبِح قضية وطنية تبحث في مجلس الشورى وتؤخذ قرارات سياسية على أعلى المستويات الرسمية بعد توجيه التهديدات.. وأتوقع بطبيعة الحال أن يلحظ لي تعويض مناسب من التعويضات التي ستحصل عليها دولتنا المعظمة”.
أما الواقعة الخطيرة، فهي في الجو الحربي الذي تعيشه ايران على وقع احداث اليمن والحرب التي وجد النظام فيها “حجاباً” لكل مشاكله، خصوصاً الحرب في سوريا، حتى يكاد الايرانيون وكأنهم نسوها ولم يعودوا يطالبون بوقف الإنفاق عليها والاهتمام بالداخل. كل ذلك لم يغير من تطوير النظام لوسائله في العمل لإبعاد الأنظار الشعبية عن التداعيات الحاصلة داخل المؤسسات الرسمية والدستورية.

 

من ذلك، بناء جدار فصل بين مبنى مجلس الشورى والشوارع المحيطة به، بحيث لا تصل الى مسامع النواب هتافات المتظاهرين الذين تزايدت أعدادهم في الفترة الأخيرة، سواء بسبب الأزمة الاقتصادية، أو بسبب ارتفاع نسبة الفصل في المؤسسات الرسمية لأسباب كثيرة، معظمها لتغطية السبب الكبير وهو المواقف السياسية. وبهذا، لا يعرف الإيرانيون ماذا يجري داخل المجلس. وقد احتج نواب عديدون على الجدار، فقال النائب غلام علي جعفر زادة، أمام زملائه : “البرلمان يجب ان يكون مبنى زجاجياً شفافاً تماماً، ويجب ألا يخسر ارتباطه بالشعب”.
ويبدو أن “نقطة الماء التي فاضت بها كأس النظام”، وأنتجت قرار بناء “الجدار العازل”، هي الاحتكاكات العديدة الأخيرة بين النواب. من ذلك أنه جرى الاعتداء داخل المجلس، وأثناء المناقشات، على النائب الجريء والمشاغب، علي مطهري، حيث نقل إلى المستشفى، وكان قد سبق هذا الاعتداء تعرضه إلى محاولة قتل على يد “الباسيج” في ١٧ آذار، بعدما طالب المرشد بإطلاق سراح مير حسين موسوي والشيخ كروبي.

ويبدو أن عدم صمته وهجومه غير المسبوق داخل البرلمان على الأوضاع الداخلية، قد أنتج الاعتداء عليه داخل البرلمان نفسه ومن بعض النواب. لكنه بدلاً من إرهابه ودفعه إلى الصمت اندفع في مسار التصعيد واتهم المعتدين عليه بـ”الداعشيين”، وهو اتهام خطير في زمن الحرب ضد إرهاب “داعش”.
تعيش إيران على مفترق طرق حقيقي بكل ما يتعلق بالنظام نفسه، إن كان من حيث تركيبته أو مساراته السياسية ووسائل تنفيذها، بين المحافظين المتشددين  من جهة، والمعتدلين والإصلاحيين من جهة ثانية، وتشعر كل قوة  منهما أن معركتها هي “أم المعارك”، وكل ذلك وسط دوائر إقليمية بركانية مشتعلة.المواجهات ستتضاعف، وستكون أكثر شراسة وحدّة، كلما دخلت ايران في العد العكسي لانتخابات مجلسي الشورى والخبراء، حيث سيُقرر من سيضع يده على الدولة، والأهم من سينتخب الولي الفقيه الخليفة.

(المدن)

السابق
تأجيل التسريح: خيارات فوق الطاولة وتحتها
التالي
ابو عبدو.. بندقية ووصية