رسالة «أمل» بدور عربي محدِّد؟

تركزت أنظار العالم خلال الشهر الماضي على “اليمن التعيس”، بعيد قيام التحالف الذي تشكل من دول سنية بقيادة المملكة العربية السعودية بعملية “عاصفة الحزم”. صحيح أن العملية سلطت بقعة ضوء كبيرة على البلد الافقر في العالم العربي، لكن الصراع هناك قديم، تواجهت فيه أطراف عديدة غيرت مواقعها أكثر من مرة، وبقي متروكا لمصيره.

إلا أن التطورات التي شهدتها السنوات الاخيرة في منطقة الشرق الأوسط، رسخت صورة ما يجري على أرض اليمن بوصفه صراعا إقليميا بالواسطة. وذلك بعد تمدد النفوذ الاقليمي لايران، عبر دعمها لأطراف داخلية، ووصوله الى الحديقة الخلفية للسعودية. نفوذ واجهته المملكة عسكريا للمرة الأولى في البحرين ضمن قوات درع الجزيرة، ومرة ثانية على رأس تحالف سني واسع من مشرق العالم الى مغربه، في اليمن. دون أن نغفل مواجهته بشكل غير مباشر في سوريا ولبنان والعراق.

تنافس اقليمي غير مسبوق في التاريخ الحديث اذا، استدعى تحولا استراتيجيا في السياسة السعودية. لم يعد الاتكال معه بالكامل على ما سمي القرن الماضي بالمظلة الامنية الغربية ( البريطانية أولا ومن ثم الأميركية)، بل تم اللجوء الى استخدام القدرات العسكرية الذاتية للذود عن الأمن القومي، بدعم من دول وأطراف تستشعر هي الأخرى خطر تمدد النفوذ الايراني. خاصة في ظل سياسة أميركا المعلنة بالتوجه شرقا نحو الباسفيك، والتي تُرجمت اكتفاء بالسيطرة من الجو في الشرق الاوسط، وانسحابا من أرض معاركه، بعدما قلّ الاهتمام بنفطه، مع ازدياد التنبه الى صعود الصين.

في ظل ذلك، قد تكون أحداث اليمن عاملا دقّ جرس انذار بان الامن القومي في خطر مع التحولات التي تمر بها المنطقة. وأنه في زمن التحولات هذا يصح المثل القائل “ما حك جلدك مثل ظفرك”. ولكن يجب أيضا عدم إسقاط عامل رئيسي آخر من الحسبان. ففي الوقت الذي وصل فيه الحوثيون (المدعومون إيرانيا) الى أبواب عدن، كانت المفاوضات في لوزان بين دول الخمسة زائد واحد وإيران، قد حققت تقدما أدى في نهاية المطاف الى اتفاق إطار، من شأنه ( إذا ما وصل الى خواتيمه بالتوقيع على اتفاق نهائي ) أن ينهي عزلة دولية عانت منها طهران عقودا، ويعزز بالتالي موقعها ونفوذها ودورها الاقليمي على الساحة الدولية.

وعلى الرغم من التصريحات والتأكيدات بعيد الاتفاق المذكور على أنه يقتصر على الملف النووي، إلا أن الرئيس الأميركي “باراك أوباما” قطع الشك باليقين عندما قال صراحة في مقابلته مع صحيفة النيويورك تايمز، إن من شأن أي اتفاق نهائي أن يشكل بداية علاقة جديدة بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية. داعيا الايرانيين الى الاختيار بين بقائهم معزولين عن العالم، أو التحول الى “منارة” الشرق الأوسط. ومن هنا، يمكن تفهم القلق الطبيعي لدى جيران ايران في المنطقة، من أن ينعكس أي تقدم في الملف النووي، زيادة في رصيد القوة الاقليمية للدولة الفارسية.

في ظل هذه الأجواء، أتت عاصفة الحزم لتقول كما ذكرنا في مقال سابق: “نحن هنا”. وقد سجلت أولى النجاحات لحظة انطلاقها، حين ذكّرت الاميركيين أنفسهم بهوية “الحلفاء التقليديين” في المنطقة، واضطرتهم الى الوقوف في صفها بطبيعة الحال، ولو كان الدعم لوجستيا فقط. وحين قلبت المعادلات على الأرض، ووضعت حدا لتقدم الحوثيين، ذكّرت الاميركيين والايرانيين على حد سواء، بان العرب أيضا يمسكون بالعديد من أوراق اللعبة، بشكل يتيح لهم الجلوس على طاولة حوار تقرر مصير المنطقة ومستقبلها.

في المقابل، استمعنا على مدى ثلاثة اسابيع الى عاصفة من الانتقادات والتصريحات النارية الايرانية، التي وصلت على لسان المرشد نفسه حد القول “ستمرغ أنوفهم في التراب”. وحين أعلنت السعودية انتهاء عملية عاصفة الحزم، وبداية أخرى أطلقت عليها اسم إعادة الأمل، سارع رئيس مجلس الشورى الاسلامي في إيران “علي لاريجاني” الى وصف ما سمته السعودية نجاحا في تحقيق الأهداف، بالهزيمة النكراء. قائلا إن السعودية “توهمت انه بامكانها عبر التدخل العسكري أن تهيمن لرفع قدراتها في مرحلة التفاوض لكسب تنازلات”.

عن أي تفاوض كان يتحدث لاريجاني؟ هل يقف الموضوع عند حدود اليمن وإعادة الأطراف الى طاولة الحوار هناك؟ أم أن هناك تفاوضا أوسع وأشمل، يجري أصلا بوسائل مختلفة؟ على الأرجح أن تكون أحداث اليمن بكل تعقيداتها، جزءا يسيرا من عملية تفاوض أشمل، بدأت وستستمر بالحوار حينا وبالدم أحيانا. واذا ما كان من طاولة حوار لا بد وأن تعقد عاجلا أم آجلا، فان ما نشهده الآن قد يكون مقدمة لتحديد هوية قائمة المدعوين اليها، بعدما أصبحت “لائحة الطعام” معروفة، من اليمن الى سوريا مرورا بالعراق.

وحينها يصبح السؤال: هل ينجح العرب عبر تحالف تشكل السعودية مركز ثقله، في فرض أنفسهم كلاعب أساسي في الساحة الاقليمية؟ وأي دور يمكن أن يعطيهم “المايسترو الأميركي” الممسك بزمام اللعبة حتى الآن على ما يبدو؟ قد يكون الامتحان في سوريا بعد الاستعراض في اليمن. وهنا قد تتعزز الفرص بتقاطع المصالح مع تركيا من جهة، وبم أتى على لسان أوباما ( في المقابلة التي أشرنا اليها سابقا) حين تساءل، لماذا لا يواجه العرب الاسد عسكريا، من جهة أخرى.

على كل، ربما يشكل اعلان انتهاء عاصفة الحزم في اليمن، والاستعاضة عنها باعادة الأمل، رسالة عربية تؤكد الرغبة باختيار الحوار والتفاوض سبيلا بدل الحروب. فكيف ستخط طهران الجواب على تلك الرسالة؟

السابق
اساتذة وموظفو الادارات العامة في الجنوب اعتصموا امام سراي صيدا
التالي
حمود أمر بتوقيف ابو حمزة بدعويين حديثتين بحقه