آفاق ومخاطر السعودية في اليمن

لطالما شكّ اليمنيّون بأنّ السعوديين يتبعون سياسات تبقي اليمن ضعيفاً ولكن ليس إلى درجة تجعل مشاكله الداخلية تنتقل إلى داخل حدود المملكة. إذا كان هذا صحيحا على الإطلاق، يبدو أن الحكّام السعوديين الجدد قد تخلصوا من هذا النهج وشرعوا في مغامرة عسكرية ستخلق شكلاً من عدم الاستقرار السياسي والعنف من شأنهما ليس فقط إضعاف اليمن وجعله غير قابل للإصلاح بل وقد يرتد على المملكة نفسها.

في الشهر الماضي، شرع السعوديون وبدعم من الولايات المتحدة وتسع دول – معظمها عربيّة سنيّة – بحملة عسكريّة جوية لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ودحر الحوثيين، وهي مجموعة تنظر إليها الرياض كوكيل إيراني، وحلفاءهم من القوات المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. كما أنها فرضت أيضاً حصاراً بحريّاً وجويّاً لمنع وصول الأسلحة للحوثيين، بينما قامت الولايات المتحدة بتسريع نقل الأسلحة للمملكة. ويقول مسؤولون سعوديون بأن عملية “عاصفة الحزم” سوف تستمر حتى استعادة الاستقرار. كما لمّحوا بأن هجوماً بريّاً قد يكون ضرورياً.

ما تسبب في هذا التدخل هو التوسّع المفرط للحوثيين، فبدلاً من القبول بتسوية سياسيّة في العاصمة، يحاولون فرض هيمنتهم بقوة السلاح، كما يشنّون حملة وحشية للسيطرة على مدينة عدن مما يؤدّي إلى تدمير المدينة والتسبب بكارثة إنسانية. من ناحية أخرى، فإن المملكة العربية السعودية قد بالغت بدور إيران فيما هو على الأغلب صراع يمنيّ محلّي، وبذلك، يتم خلق دينامية جديدة خطرة، حيث إنّ من شأن التدخل العسكري الخارجي أن يزيد الأزمة تعقيداّ وإطالة المعاناة، لا سيما في غياب استراتيجيّة خروج سياسيّة فعّالة.

بعد أربعة عشر يوماً، تبدو مخاطر عاصفة الحزم واضحة للعيان وآخذة بالنمو. أولاً، إنها تعمّق الأزمة الإنسانية؛ فقد ذُكر أن الغارات الجويّة استهدفت البنية التحتيّة الحيويّة، والمصانع، ومخيّم للنازحين. على الرغم من جهود مجموعات الإغاثة، يمنع الحصار وصول الإمدادات الأساسية في بلد يعتمد بشكلٍ كبير على الأغذية المستوردة. كما أنّ هنالك ردّة فعل قويّة ضد السعوديين، خاصّة في الشمال حيث يستمد الحوثيون دعمهم السياسي الرئيسي، وحيث يعيش السكان تحت وطأة القصف.

سياسيّاً، تقوم الحملة العسكريّة بتوسيع الفجوة بين الشمال والجنوب، وبين المناطق الزيدية (الشيعية) والشافعيّة (السنية)، كما قامت بعسكرة الانقسامات الحاليّة بينما تشجّع التوتّرات الطائفيّة بين السنّة والشّيعة والتي كانت غائبة عن اليمن سابقاً.

عسكريّاً، لم تقلب عاصفة الحزم كفّة الميزان لصالحها بعد، بل وفي بعض الأمور عادت بالفائدة على الحوثيين الذين نجوا من ست جولات من النزاع مع القوات الحكومية بعد عام 2004، وتصدّوا للتوغل العسكري السعودي عام 2009. كما تُعتبر المجموعة أولاًّ وقبل كل شيء ميليشيا شُكّلت أثناء الحرب وذات جذور عميقة في المرتفعات الشمالية لليمن. نقطة ضعفها هي السياسة وليس الحرب.

المفارقة هي أنّ التدخل العسكري السعودي عزز من قوة التحالف الهش بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح في الوقت ذاته الذي كانت التوترات السياسية تفعل فعلها في إنهاكه. وعلى الرغم من القصف المكثّف، استطاعت قوات الحوثي دخول عدن، المعقل الرمزي لقوات المقاومة الموالية لهادي. على الجانب الآخر، فإنّ معارضي الحوثيين منقسمون، كما يُنظر الى هادي الذي فرّ إلى الرياض على أنه ضعيف وغير قادر على توحيد القوى المناهضة للحوثيين.

لقد دمّر السعوديون القوات الجوية اليمنية والصواريخ التي كان بإمكانها أن تُستخدم لاستهداف المملكة، لكن في حين تم تقليص بعض التهديدات، فإن تهديدات أُخرى جديدة بدأت بالظهور. إذا استمرّ القصف، قد يردّ الحوثيون وحلفاؤهم في هجوم بري على الأراضي السعوديّة. وقد يؤدي ذلك الى حربٍ بالوكالة مع إيران، إذا ما كانت طهران مستعدّة للتصعيد من خلال إمداد الحوثيين بالدعم المالي والعسكري، وهم الذين كانوا أقلّ اعتماداً بكثير على طهران من اعتماد هادي وحلفائه على الرياض. ثم هناك تنظيم القاعدة الذي تزدهر أعماله في فوضى الحروب، والذي قام مؤخراً بإطلاق سراح 150 على الأقل من أنصاره من السجن في مدينة المكلّا الساحلية الجنوبية.

كل هذا يجب أن يعطي السعوديين وتحالفهم مهلة لإعادة النظر. بدلاً من الرهان على النتيجة العسكرية غير المؤكدة، ينبغي أن يركّز التحالف على القضاء على قدرة الحوثيين على شنّ غارات جوية أو توجيه ضربات صاروخية ضدّ المملكة، وإضعاف قدراتهم على القيام بغزو بريّ. بإنجازهم هذا، ينبغي على السعوديّة والتحالف أن يدعموا جهود الأمم المتّحدة لوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات الشاملة لتشكيل حكومة انتقالية.

قبل اندلاع القتال، كان اليمنيون قريبين من الاتفاق على تشكيل قيادة جماعية. وقد أعرب الحوثيون عن استعدادهم للعودة الى المحادثات. كما أنّ عُمان، وهي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تشارك في عمليّة عاصفة الحزم، بإمكانها استخدام علاقاتها الجيدة لتسهيل مفاوضات جديّة. فالاتفاق على رئيس قوي أو مجلس رئاسة مبني على أساس تقاسم السلطة ومدعوم مالياً من قبل السعوديين، من شأنه أن يوفّر الحوافز لتنفيذه، وهي التي كانت غائبة قبل الأزمة. يقول السعوديون إنهم مع المسار السياسي، ولكن شروطهم المتمثّلة بقبول شرعية هادي والتخلّي عن الأسلحة التي أُخذت من الدولة من شبه المستحيل قبولها من قبل الحوثيين. يبقى التوجّه الأفضل هو دعم وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات دون شروط مسبقة، مما يجبر الحوثيين على تحمّل مسؤولياتهم أمام الشعب اليمني إذا ما رفضوا إنهاء معاناتهم.

لم ينزلق اليمن بعد إلى العنف الشامل والطائفية المتفشيّة مثل سوريا أو العراق، ولكن الوضع يزداد سوءاً بسرعة. إنّ المزيج من الحروب بالوكالة والعنف الطائفي وانهيار الدولة وانتشار سيادة الميليشيات هو للأسف أمر مألوف في المنطقة ومن المرجح ألّا يفوز أحد في مثل هذه المعركة. ثمة بديل لذلك، لكن فقط إذا اختار اليمنيون وجيرانهم تبنّيه.

السابق
رقصة الحروب في الشرق الأوسط
التالي
الأسد: السعودیة ستدمر نفسها باستخدام الخطاب التقسیمي