في ذكرى 13 نيسان.. لا نزال أسرى حروبنا الصغيرة

اليوم 13 نيسان ذكرى مرور أربعين عاماً على بدء الحرب الأهلية اللبنانية، إنه المدماك الأول في سلسلة حروب أهلية متلاحقة. أطلق عليه يوم بوسطة عين الرمانة، لم تكن قصة بوسطة أو رمانة بل قلوب مليانة. يتخيلوننا أطفالاً فيطلقوا على تلك الحرب الأهلية عام 1860 حرب السكة والتي هي أيضاً حرب القلوب المليانة.

عام 1975، كان قد مضى 25 عاماً على إنشاء الكيان الذي تعرض عام 1958 لحرب صغيرة كانت بمثابة تمرين للحروب القادمة. عام 1975 تخيل اليسار اللبناني أن الوحدة الشعبية التي تحققت في النضالات النقابية والاجتماعية باتت وكأنها كافية لإجراء التغيير الإصلاحي المنشود. إلا أن تلك الوحدة لم تكن سوى وحدة هشة وأن ارتباط المجموعات المكونة للبلد بزعاماتها السياسية الطائفية أقوى وأمتن من تلك الوحدة المتحققة وأن إعادة إنتاج علاقاتها مع زعاماتها الطائفية متواصل رغم الانفكاك النسبي عنها.

ويومها رأى اليسار أن الحرب الأهلية هي الحرب الثورية التي أسقطها على وعي أنصاره وأعضائه. وهي الممر الإجباري لإجراء الإصلاح. وتوسل السلاح الفلسطيني أدارة للتغيير المنشود، متحالفاً مع الفلسطيني الذي كان يسعى إلى منصة اعتقد أنها لبنان للدخول إلى فلسطين بالمقابل لم يكن لدى الطرف الآخر سوى السلاح للمحافظة على الامتيازات وبالشحن الطائفي والمذهبي زيادة الكراهية لشق الوحدة المتحققة.

انتهت هذه الحرب بهزيمة اليسار وحلفائه عام 1976 بعد حرب الجبل وتوجت الهزيمة بمقتل كمال جنبلاط في 16 آذار 1977، وانتصرت الزعامات الطائفية من مختلف الاتجاهات بسلاح سوري إقليمي.

بعدها بدأت حرب جديدة توسلها الإسلام السياسي السني لتحسين حصصه في السلطة شراكة مع الموارنة ودخل الإسلام السياسي الشيعي شريكاً يطالب بحصة كاملة شأنه شأن السنّة. فاستمرت حرب طوائفية تستنفذ الجميع برعاية سورية تتجه لإقامة حكم موالٍ لها بالكامل.

عام 1982 رأت إسرائيل أنها فرصة للتخلص من م.ت.ف. وإقامة حكم لبناني موالٍ لها. وانقسم اللبنانيون مجدداً حولها، فرحّب بها فريق وعاداها فريق آخر، واستمر النزاع بين طوائف البلد برعاية سورية وإسرائيلية لكن إسرائيل فشلت في بناء حكم موالٍ لها لكنها نجحت في إجراء عملية جراحية للنسيج الاجتماعي، قرعت حرب الجبل، وهجّرت مسيحيي الجنوب وشرق صيدا وتحولت العوامل الخارجية إلى عوامل مقررة، وإذا كان بعض اللبنانيين قاتلوا إسرائيل وأجبروها على الانسحاب من مناطق مختلفة، فإن بعض الطوائف كان تخوض معركة حسم زعاماتها السياسية فكانت حرب عون – جعجع وحرب حركة أمل – حزب الله. وانتهت الحروب باتفاق الطائف الذي جمع كل المتناقضات وأدخل مشاريع إصلاحات لم يخفف منها شيء سوى إعادة إنتاج حكم لبناني يهيمن عليه المسلمون وأقصاء المسيحيين عن السلطة، وبعدها حصل النظام السوري على وكالة دولية لرعاية الوضع في لبنان فرعت حروباً باردة بين الطوائف وانتجت نظام الترويكا الذي أجهز على دور المؤسسات الفعلي.

لكن الترويكا القائمة على غلبة عامة للمسلمين ضربت يوم اغتيل رفيق الحريري وانسحب الجيش السوري وفتح الصراع السنّي الشيعي على خلفية الهيمنة على السلطة. ومنذ عام 2005 والصراع مفتوح، وإذا كان لبنان قد شهد حرباً أهلية خطيرة عام 2008 والتي وجّه فيها حزب الله ضربة إلى خصومه، إلا أن النتيجة لم تحسم لصالحه. وما زال النزاع مستمراً. لكن الزعامات السياسية ذات الانتحار المذهب المختلق عاجزة عن إنتاج تسوية داخلية وتحولت الإدارة الرسمية إلى مزرعة لرب الفئات الوظيفي لأبناء الطوائف والذين يختارهم الزعماء أنفسهم، حتى القضاء والأجهزة الأمنية تحولت إلى محاصصات يتفق عليها زعماء الطوائف الذين بدورهم تحوّلوا إلى وكلاء لتيارات إقليمية حتى أن مساهمة حريتهم النسبية قد ضاقت.

وفي أيار عام 2014 شهد لبنان حرباً أخرى سجلت بعدم انتخاب رئيس للجمهورية وهذا تطور دراماتيكي ينهي للمسيحيين آخر منصب أساسي لهم. ويبدو أن الطرفين الأساسيين حزب الله وتيار المستقبل ليسا في وارد الاتفاق على رئيس جديد، لأن كل طرف يريده ملحقاً به.

ولايوم ما زلت في حرب أهلية لكنها غير مسلحة لسبب وحيد، غياب طرف مسلح قادر عن الوقوف بوجه سلاح حزب الله. السنّة وحلفائهم لا يستطيعون الحكم لأن حزب الله وحلفائه يعطّلون الحكم. وحزب الله لا يستطيع أن يحكم لوحده إذا انسحب تيار المستقبل. والجميع عاجز عن رؤية لبنان موحداً.

بعد هذه الحروب، ماذا عن الذاكرة يبدو أن النموذج اليوغسلافي هو الألصق بذاكرتنا. لكنها ذاكرة مثقوبة فهل نشهد ما هو أسوء من النموذج اليوغسلافي؟

السابق
الوساطة الحصرية انتهت…وساطات متعددة… والحسم فلسطيني
التالي
حركة الأمة في 13 نيسان: لنحصن مناعة الوطن ضد الحروب