انتشرت أخبار هنا وهناك تحدّثت عن نيّة رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل نبيه بري توريث نجله عبد الله رئاسة الحركة وزعامتها، استنادا الى قول نسب له إثر إعادة إنتخابه رئيسا لها في المؤتمر الثالث عشر الذي اقامته “حركة امل” قبل اسبوع. إذ تحدث بري عن “حركة شبابية جديدة ستطبع المؤتمر التنظيمي”، وقد فسّر ذلك بعض الاعلاميين بأن نجله عبد الله هو المقصود من وراء هذا التعبير. .
ويبدو ان هذه الاشاعة هي التي دفعت عبد الله نبيه بري الى الخروج عن صمته وكتابة رسالة نشرها في موقع”النشرة” أكد فيها أن “حركة امل” لم ولن تكون لآل بري بل لكل العائلات اللبنانية. واستند عبد الله بري الى قول رئيس الحركة نبيه بري إن “غايتنا في حركة امل لم تكن المواقع او استبدال النظام الاقطاعي بطبقة سياسية على ظهر بعضها البعض”.
وأكّد عبد الله بري في ختام رسالته أن رئيس المجلس النيابي ليس هو من يفكر بتوريث الأبناء، بل هو من يسلمها لولده الوحيد الأوحد “حركة امل”.
هذا ويدرك الرئيس بري بحكمته وبعقله الراجح الذي اغتنى بتجربة زاخرة منذ ان تصدّر واجهة الزعامة السياسية الشيعية قبل أكثر من ثلاثة عقود في خضم جولات معارك الحرب الأهليّة الطائفية، ويعلم جيدا أن الساحة الشيعيّة اللبنانية اليوم هي مصادرة ميدانيا ومعبّأة عاطفيا من قبل الشريك الأقوى في الطائفة “حزب الله”، وهي غير مهيّئة لأي شكل من أشكال التوريث السياسي في المدى المنظور.
فقد أفل نجم العائلات الإقطاعية السياسية في الطائفة الشيعية بفعل ازدهار الافكار اليسارية في أوساط شبابها قديما وسيادة التحفّز الطائفي واستنفاره في صفوفها حديثا إسوة بباقي الجماعات الطائفية اللبنانية. وقد أدّت حركة أمل بزعامة نبيه بري قسطها في الميدان وخاضت جولات معارك حرب اهلية طاحنة تحت عنوان “الدفاع عن اهلنا في الجنوب والبقاع”، ثم تسلّم حزب الله شعلة “الجهاد” من حركة أمل، بفعل الدعم الايراني المالي والتسلحي اللامحدود. وحزب الله كحزب أصولي ذو ماكينة عسكرية متطورة وهيكلية حزبية عقائدية صارمة، لا يحبّذ بشكل قاطع أشكال التوريث السياسي، وانما يفضّل ان يكون الابناء قدوة في القتال والجهاد والاستشهاد. تماما كما كان واقع حال شهادة هادي نصر الله نجل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وكذلك فإن الدلالة واضحة في شهادة جهاد عماد مغنيّة الأخيرة في سوريا. إذ تدخل ضمن النهج ذاته والفهم العقائدي نفسه.
في النهاية فإن الضالعين بالشأن اللبناني والعارفين في شؤون الطوائف فيه يؤكدون حقيقة راسخة وهي ان الزعامات الطائفية التي تتوافق بحياتها لتقسيم المغانم لا ترحم ارث بعضها البعض بعد الغياب، ولا تحترم ذكرى طيبة أو عهودا من الودّ خلت. وفي الموازين الحالية التي تسود الساحة الشيعية، وإن لم تتغيّر، فإن حركة أمل إذا ما قدّر وغاب عنها زعيمها القوي ذو الشعبية الوافرة نبيه بري، ونسأل الله له طول العمر، فإنه لن يرث زعامتها أحد… ويقول خصومها إن من سيقرر مصيرها في النهاية هو حزب الله، فيما يشدد عبد الله بري على أنه “بعد عمرٍ طويل إن شاء الله تعالى تكون هذه الحركة المباركة وحدها تسلّم رايتها إلى من هو أجدر أن يقود سفينتها بين هذه الأمواج المتلاطمة نحو بر الأمان”.