شهادات من تكريت: إعدامات انتقامية وسحل جثث في الشوارع

مقاتلون من القوات العراقية و«الحشد الشعبي» ينزلون راية لـ «داعش» في تكريت، أمس (رويترز)

في الأول من نيسان الحالي جرى تحرير مدينة تكريت من تنظيم داعش وطردت الحكومة والفصائل المتحالفة معها المتطرفين منها بعد معركة دامت شهرا. لكن بعضا ممن حرروا المدينة بدأوا بعد ذلك أعمالا ثأرية.

قرب مقر الحكومة المحلية المحترق الذي يحمل آثار أعيرة نارية أحاط اثنان من الشرطة الاتحادية بمقاتل يشتبه أنه من تنظيم داعش. وتحت إلحاح جمع غاضب من الناس استل الشرطيان سكاكينهما وطعنوا مرارا الرجل في رقبته وذبحاه. وحسب وكالة “رويترز” شاهد اثنان من مراسليها مقتل الرجل. وقال العميد سعد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية للوكالة إنه يجري الآن التحقيق في الواقعة.

ومنذ السيطرة عليها قبل 4 أيام شهدت مدينة تكريت أعمال عنف ونهب. وإضافة إلى مقتل المسلح المتشدد شاهد المراسلون أيضا مجموعة من المقاتلين الشيعة الذين ساعدوا قوات الحكومة في تحرير المدينة وهم يجرون جثة في الشوارع خلف سيارتهم. وقال مسؤولون محليون إن الفوضى مستمرة. وقال ضابطا أمن طلبا عدم نشر اسميهما إن عشرات المنازل أحرقت في المدينة. وأضافا أنهما شاهدا مقاتلي فصائل شيعية ينهبون المتاجر.

لم يكن من المفترض أن يحدث ذلك. ووصف مسؤولون مقربون من رئيس الوزراء حيدر العبادي حملة تكريت بأنها فرصة لإظهار استقلال الحكومة عن أحد مصادر قوتها، الفصائل الشيعية العراقية المدعومة من إيران والتي تحصل على المشورة من ضباط عسكريين إيرانيين. وقادت الفصائل الشيعية العاملة ضمن “الحشد الشعبي” هجوم تكريت في بدايته أوائل آذار. لكن بعد أسبوعين من القتال فرض العبادي تهدئة. وفي تأكيد لسلطته على الميليشيات طلب ضربات جوية أميركية.

ويهدد النهب والعنف في تكريت الآن بتلطيخ صورة انتصار العبادي ويخاطران بتوجيه رسالة إلى السنة العراقيين بأن الحكومة المركزية ضعيفة وليست جديرة بالثقة بدرجة كافية لكي تسترد أراضي أخرى يسيطر عليها تنظيم داعش، بما في ذلك مدينة الموصل.

سعت الحكومة أول من أمس لطمأنة كل الأطراف من أنها ستعمل على إرساء الأمن. وأصدر العبادي بيانا يطالب فيه قوات الأمن باعتقال كل من يخرق القانون. وردا على طلب للتعليق على ما رآه من مشاهد قال رافد جبوري المتحدث باسم العبادي إنه لن يتحدث عن حوادث فردية، لكنه أضاف: “الأولوية تمنح لتأمين حياة الناس وممتلكاتهم سواء كان في هذه العملية أو فيما يتعلق بجهود الجيش بشكل عام من أجل تحرير بقية العراق”.

وشكا نواب سنة زاروا تكريت من أن الأحداث خرجت عن السيطرة منذ أن استعادت قوات الأمن والميليشيات المتحالفة معها المدينة. وأثنى البرلماني مطشر السامرائي على الحكومة لقيادتها دخولا سهلا لتكريت ولكنه قال إن بعض الفصائل الشيعية استغلت الموقف. وقال: “أعتقد أن ما يحصل هو شيء متعمد لعرقلة منجزات الحكومة في تكريت”. وأضاف: “ما يحصل هو صراع بين الميليشيات والحكومة من أجل السيطرة”.

وأحرقت أحياء سكنية دخلتها القوات العراقية والفصائل الشيعية بما في ذلك أجزاء في الدور والعوجة مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين. وتلقي قوات الأمن باللوم على تنظيم داعش في زرع متفجرات في المنازل في حين يشتبه السنة في أن الفصائل الشيعية والجيش والشرطة تعمدوا حرق منازلهم.

والنهب مشكلة أيضا. فقد تحركت شاحنات للفصائل الشيعية في المدينة تحمل سلعا يبدو أنها نهبت من منازل ومكاتب حكومية. وحسب وكالة “رويترز”، كانت المركبات مليئة بمبردات وأجهزة تكييف وطابعات وأثاث. وركب أحد مقاتلي الفصائل الشبان دراجة حمراء وهو يصرخ “كنت أحلم دائما بامتلاك مثل تلك الدراجة الهوائية عندما كنت صغيرا”. وقال العميد معن المتحدث الرئيسي باسم القوات الحكومية إن الشرطة توقف السيارات التي يبدو أنها تحمل سلعا مسروقة. وقال إن القوات تبذل قصارى جهدها لفرض الأمن.

وحسب الوكالة، كانت المشاعر متأججة وسط الفصائل الشيعية قبل الهجوم. فقد قطع تنظيم داعش رؤوس أناس ونفذ أعمالا وحشية أخرى في أراض سيطر عليها. وبشكل خاص كانت الفصائل الشيعية تريد الثأر من قتل “داعش” مئات الجنود العراقيين الذين أسروهم من معسكر سبايكر قرب تكريت في حزيران.

ورغم جهود بغداد لكبح المقاتلين فإن بصمات الفصائل الشيعية وإيران ذاتها كانت واضحة خلال الساعات الأخيرة من العملية. فمع سقوط تكريت الأربعاء الماضي هرع أفراد من الفصائل لكتابة أسمائهم على المنازل حتى يعزى إليهم الانتصار. وتفاخر مقاتل إيراني يحمل على كتفه بندقية كلاشنيكوف ويعلق على صدره صورة للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بدور طهران في الحملة. وقال الرجل الذي أطلق على نفسه اسم الشيخ داود: “أنا أشعر بالفخر للمشاركة في معركة تحرير تكريت.. إيران والعراق هما دولة واحدة الآن”.

وعلى أطراف تكريت في الساعات التي تلت سقوط المدينة مرت قافلة تقل مجموعة من أفراد الفصائل الشيعية بعدد من سيارات الشرطة. وكان أفراد الفصائل يربطون جثة من يشتبه أنه أحد مقاتلي تنظيم داعش في ظهر شاحنة صغيرة تويوتا بيضاء اللون. وانقطع الحبل الذي يجر الرجل وتوقفت السيارة.

نزل الرجال لإعادة ربط الجثة التي كانت تحمل آثار أعيرة نارية. وأثناء تثبيت الحبل حول الجثة تعالى صوت أغنية تتحدث عن انتصارهم على تنظيم داعش عبر مكبر للصوت في السيارة. بعد ذلك انطلقوا. ولم يفعل رجال الشرطة الذين كانوا يقفون على مقربة أي شيء.

وبعد ظهر يوم الأربعاء شاهد مراسل من وكالة “رويترز” معتقلين يشتبه أنهما من تنظيم داعش – جرى تعريفهما على أنهما مصري وسوداني – داخل غرفة في مبنى حكومي. ونقلت المخابرات التابعة للشرطة الرجلين بعد ذلك للخارج. وانتشر حديث بأن السجينين اللذين يشتبه في انتمائهما لتنظيم داعش جرت مرافقتها للخارج. وتجمع حولهما رجال من الشرطة الاتحادية كان زميل لهم هو العقيد عماد قتل في اليوم السابق جراء تفجير. وقال العميد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية إن المصري كان قد طعن شرطيا عراقيا الأمر الذي يفسر الغضب منه.

نقل السجينان في شاحنة صغيرة لكن حشودا حالت دون تحرك السيارة. وبدأ رجال الشرطة الاتحادية يصرخون في وجه ضباط المخابرات مطالبين إياهم بتسليم الرجلين. حاول ضباط المخابرات حماية السجينين وسحب أحدهم مسدسه الشخصي عندما بدأ رجال الشرطة الاتحادية يحركون قبضة أياديهم في الهواء. وأخذ الحشد يصرخ “يجب أن نأخذ بالثأر للعقيد عماد”. وتدفق مقاتلون شيعة على المنطقة وامتلأ الشارع بأكثر من 20 من رجال الشرطة الاتحادية. ووقع إطلاق نار وارتدت أعيرة نارية. وأصيب واحد على الأقل من المقاتلين الشيعة وبدأ ينزف من ساقه. تمكن الناس في الحشد من جر أحد السجينين من الشاحنة وهو المصري. جلس المصري صامتا على أقدام شرطيين في العشرين من عمرهما والخوف في عينيه. وأحاط به العشرات من رجال الشرطة الاتحادية والمقاتلين الشيعة.

وصرخ الشرطيان “إنه من (داعش).. يجب أن نأخذ بالثأر للعقيد عماد”. وأخرج كل من الشرطيين سكينا ولوحا بهما في الهواء وسط ترحيب من الحشود وهما يرددان “سنذبحه. سنأخذ بالثأر للعقيد عماد. سنذبحه”.

ووضع رجال الشرطة الاتحادية رأس السجين المصري على الرصيف ثم دفع أحد رجال الشرطة الآخرين بعيدا وألقى بنفسه عليه ووضع السكين على رقبة المصري وسط هتافات الواقفين الذين لطخت الدماء أحذيتهم. وصرخ رجال الشرطة الاتحادية: “أخذنا بالثأر للعقيد عماد”.

ووقف الشرطي الذي قتله قرب جثمانه حتى يتمكن من الحديث مع زملائه وقال “العقيد عماد كان رجلا شجاعا. العقيد عماد لم يكن يستحق الموت على أيدي (داعش) القذرة. هذه رسالة إلى عائلة العقيد عماد بأن لا يحزنوا وأن يبقوا رأسهم مرفوعا”. ثم صرخ “فلنعلق الجثة على عمود الكهرباء حتى يراها الجميع. اجلبوا سلكا.. اجلبوا سلكا”.

وأخذ صديقه الذي كان يحمل سكينا يطعن المصري دون نجاح وصرخ “أحتاج إلى سكين حادة. أريد أن أقطع رأس هذا الداعشي القذر”. وفي النهاية وجد الرجال سلكا وربطوه بقدمي القتيل وعلقوه على عمود الكهرباء. واستاء شرطي من المنظر وقال “العشرات من الإعلاميين هنا. ليس هذا الوقت المناسب. لماذا تريدون إحراجنا”. لكن الحشود تجاهلته واستمرت في رفع الجثة.

السابق
ايران : الموت لأعداء أميركا
التالي
حركة «أحرار الشام» أقوى فصائل المعارضة بعد اندماجها مع «صقور الشام»