كذبة نيسان: ابتهاج ليومٍ واحد

يا شعب لبنان العظيم، وأخيراً وبعد طول الإنتظار أتى الفرج، أو انه بات قاب قوسين أو أدنى! كلها ثلاثة أيام ويأتي الأول من نيسان ، الأول من أبريل، هذا اليوم الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر ليفرغوا ويصبوا مواهبهم المدفونة والمنتظرة لهذا اليوم ليبدعوا بفنون الكذب على بعضهم البعض، وكأنهم مارسوا الصدق طيلة 364 يوم وسيقوموا مضطرين بانتهاج الكذب يوماً واحداً فقط.

لا أدري ولا أريد أن أدري ما هو سبب تخصيص الأول من نيسان موسماً للكذب، يتنافس فيه كل على من حواليه من أسرته أو زملاء عمله أو أصدقائه ويتسابقون أيهم أجمل كذباً على الآخر، أيهم استطاع أن يؤثر صدماً بالآخرين، ليضحك بعدها ضحكة مصطنعة قبل أن يخبر صديقه أنها كذبة الأول من نيسان!

إن من خصص هذا اليوم لممارسة الكذب، افترض بديهياً أن المرء في كافة أوقات حياته صادقاً لا يكذب، ولا يتكلم إلا بالحقيقة الواقعة، وافترض أيضاً بأن الإنسان قد يكون بحاجة ليوم كمتنفسٍ له يفاجئ من اعتادوا على صدقه بخبرٍ يخالونه حقيقةً قبل أن يتبين لهم أنهم قد وقعوا ضحية مقلبٍ مبررٍ تحت عنوان كذبة الأول من نيسان.

وأكثر الفرحين بهذا اليوم هم سياسيي هذا البلد، فكل أيامهم أول من نيسان، والضحية هي هذا الشعب المسكين الذي يمارسون عليه الكذب بكافة ألوانه وأحجامه وأشكاله في كل يوم من أيام السنة وفي كل ساعة من ساعات اليوم، والمشكلة الكبيرة تكمن في أن الشعب يصدقهم مجدداً وإن لم يصدقهم وأعلن ذلك ، تراه في أول موسم انتخابات عاد من جديد لينتخب الوجوه نفسها.

تختلف أنواع الكذبات باختلاف مرتكبيها، وضحاياها من كل أطياف المجتمع لا عاصم لهم في هذا اليوم من جنون الكذب إلا من أدركوا صدقه وترفعه عنها، فكم من مزحةٍ ثقيلةٍ أضرت بمتلقيها تحت غطاء كذبة نيسان، وخاصة تلك الأخبار التي يتناقلون فيها أخبار الوفيات!

كم من محاولاتٍ سمجة يحاولها “الكذابون” على محيطهم في محاولة لخطف الأنظار وبلوغ المرتبة الأولى من مراتب الكذب، ليضربوا كليمهم في صميم مشاعره قبل أن تأتي الصرخة الأكثر سماجة وثقلاً “إنها كذبة نيسان”.

لقد أصبحت كل الأيام أولاً من نيسان، فلم يعد يخجل الكبير ولا الصغير من استخدام الكذب لتمرير مصالحه الشخصية، غير آبهٍ بمن حوله من ضحايا شرارات كذبه التي تكاد تلتهم العلاقات الاجتماعية بين الناس. وكم من كذبةٍ تم صبغها بألوانٍ متعددة زاعمين أصحابها بياض لونها وبراءتها مما نسب إليها من أضرار نفسية واجتماعية.

هل ترانا فعلاً بحاجة للأول من نيسان لنمارس الكذب؟ أم أننا نلقاه مساء كل يوم في نشراتٍ أخبارية؟ هل يلزمنا هذا اليوم كوقتٍ محدودٍ بساعاته ال24 لإظهار فنون الكذب أم أن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وما شابه تفوح منها رائحة الكذب على مدار الساعة؟

عزيزي اللبناني، إذا أردت أن تكذب وأن تمارس الكذب في هذا اليوم، فأعطني صدقاً وصراحةً طيلة أيام السنة وإلا … لا تصدق نفسك أن هذا اليوم يعنيك بشيء.

 

السابق
مايلي سايرس تسخر من طفلة كارديشيان بصورة «صادمة»
التالي
عن «شهداء» يُطاولونَ جبالاً مُتَخَيَّلَة