عن «شهداء» يُطاولونَ جبالاً مُتَخَيَّلَة

كيف يطاول الشهداء الجبال المتخيّلة وهل الشهادة ارتقا فعلاً أو نهاية للحياة.. تنشر "جنوبية" نصوصاً من العدد الثاني من المطبوعة رقم 4 وهي دورية صادرة عن جمعية "هيّا بنا" وائتلاف الديموقراطيين اللبنانيين. ويبحث العدد في إشكاليات الشهادة في لبنان.

ليسَ تشبيهُ الشهيد ــ بالمعنى الواسع لكلمة شهيد ــ بالمُرْتَفَع من الأرض اختصاصاً، أو اختراعاً، لبنانياً. الخنساء سَبَقَت الجميع يوم أن قالت في أخيها صخر «كَأنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ» وجعلت منه منارة «يأتَمُّ الهُداة بها». ولا عيبَ في مُتابعة الخنساء، أو من سبق الخنساء إلى هذه الصورة البيانية… أليسَ التَّشَبّه، في النثر والشعر وغيرهما، باباً من أبواب الفلاح؟

نعم، لا عيب في ذلك ولكن التشبيه، كأي مُنْتَج، عرضة للارتثاث والتهلهل، وقد يتأتى ذلك من نقص يدخل على المُشَبَّه (هنا، الشهيد) أو المُشَبَّه به (هنا، الجبل)، فكيف به إن استولى على الاثنين معاً؟

ثم لنفترض جدلاً شهيداً لبنانياً مطابقاً للمواصفات… من أين نأتي له بجبل موافق للمواصفات؟ أي، على قول ابن خفاجة، بجبل:

 

[…] أرْعَنَ طمّاحِ الذُؤابةِ بَاذخٍ                    يُطاولُ أعنانَ السماءِ بغارب

يسدُّ مهبَّ الريحِ من كلّ وجهةٍ                ويزحمُ ليلاً شُهبهُ بالمناكب

قد يقتضي، بَعْدُ، وقت طويل قبل أن تتجرأ كل جماعة من الجماعات اللبنانية على تشريح شهدائها، وقبل أن نتجرأ كلبنانيين، ولو افتراضيين، على تشريح شهدائنا المزعومين مشتركين فنعرب الغثَّ من السمين، والأصلي من المغشوش، ولربَّما يسبقنا الوقت، ببساطة، فلا نُقْدِمُ على

شيء من ذلك وتمضي مواكب الشهداء تترى!

في كلا الحالين، آن الأوان، إن لم يكن قد تأخر، لمُصارحة مشاريع الشهداء، أياً تكن الوجهة التي يقصدون، بأنَّ الجبالَ التي يُوعدون بمطاولتها، إن نالوا الحُسنى وفازوا بالفوز العظيم، لا تَعْدو كَوْنها جبالاً مُتَخَيّلة: بناياتٍ شاهِقَةً تحصر إرثَ الكسّارات، أو جبالَ نفايات يُطمَرُ بها البحرُ طمعاً بمزيد من السَّهل (العقاري)…

 

السابق
كذبة نيسان: ابتهاج ليومٍ واحد
التالي
الإسلام وضرورة التحديث من وجهة نظر قرآنية