مشروع ملالي ايران: الابعاد والنتائج

عندما عاد الخميني إلى طهران، ما عاد ليكون حاكما يخلف الشاه فقط، بل عاد حاكما يحمل مشروعا ذا مضمون ديني وثقافي وسياسي.. من أجل تحقيق أهداف متعددة، فما ملامح هذا المشروع؟ وما الذي حققه؟ وما تقويمنا لنتائجه؟

لقد اتضح أن أبرز ملامح هذا المشروع هو أن قيادته دينية تمثلت في “ملالي إيران”، وأنها سخرت كل إمكانيات إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والبشرية والإعلامية من أجل تحقيق هذا المشروع، وأن المشروع جعل أول أهدافه نشر التشيّع، وتحويل هذه الأمة إلى “أمة شيعية”.

وقد اتضح هذا من إصراره على جعل إيران تلتزم المذهب الجعفري الاثني عشري، مع أن وفودا كثيرة من أحزاب العالمين العربي والإسلامي وجماعاتهم ومفكريهم وقادتهم، جاءته وطلبت منه ألا يحول إيران إلى دولة طائفية، بل يجعلها دولة “الأمة الإسلامية” لكنه أصر على ذلك، وجعل المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني تنص على ما يلي: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة تبقى للأبد غير قابلة للتغيير”.

وقد استخدم المشروع الذي قاده “ملالي إيران” عدة أدوات، هي:

“قامت إيران بالتواصل مع الطوائف الشيعية في بعض البلدان العربية والإسلامية، وإمدادها بالمال والإعلام والتوجيه والخبرات والدعاة.. وتحريضها على الدعوة إلى التشيع في محيطها السني، مما ولد تصادما بين طرفين كبيرين من الأمة في مختلف المجالات”

– التواصل مع الطوائف الشيعية الموجودة في بعض البلدان العربية والإسلامية، وإمدادها بالمال والإعلام والتوجيه والخبرات والدعاة.. وتحريضها على الدعوة إلى التشيع في محيطها السني، مما ولد تصادما بين طرفين كبيرين من الأمة في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية. وقد أدى هذا إلى الاقتتال وإسالة الدماء في بعض الأماكن كما حدث في العراق وسوريا واليمن، مع أن الأمة أحوج ما تكون إلى الوحدة لمواجهة الخطر الأكبر الذي يقوده المشروع الغربي الصهيوني.

– نشر التشيع في البلاد ذات الطابع السني التي لا طوائف شيعية فيها، عن طريق إرسال الدعاة لها، وفتح المراكز الثقافية فيها، وتوزيع الكتب والمنشورات على أهلها، وتوجيه الإذاعات لها، واستقبال البعثات التعليمية منها.. مما ولد صراعا بين أبناء البلد الواحد، وأحدث فتنا ومشاكل، كما حدث في مصر ودول المغرب العربي.

– استغلال القضية الفلسطينية: لقد قال الخميني في أحد مجالسه الخاصة: “إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينية فلا قيمة لسياستنا الخارجية”. لذلك أقام “ملالي إيران” علاقات مع معظم الفصائل الفلسطينية تطبيقا لكلمته، وأمدوها بالمال والسلاح من أجل أن يكون لهم يد في القضية الفلسطينية، لأنهم يعتقدون أن هذه اليد في القضية الفلسطينية ستكون مدخلا لتجميل “مشروع ملالي إيران” من جهة، ومدخلا لقلوب المسلمين من أجل “نشر التشيع” من جهة ثانية.

والآن نأتي إلى السؤال الثاني وهو: ما الذي حققه مشروع “ملالي إيران”؟

لقد حقق المشروع نتائج متعددة في بلدان عدة، وسنتحدث عن بعضها وليس جميعها لأن المقام لا يتسع لذلك، ومنها:

– لبنان: دعم “ملالي إيران” الطائفة الشيعية في لبنان، وأنشؤوا حزب الله عام 1982، ودعموه بالمال والسلاح والتوجيه والخبرات، وقد استطاع حزب الله أن يكون بعد ثلاثين سنة دولة داخل دولة، بل دولة أقوى من الدولة اللبنانية مختطفا كل لبنان.

– سوريا: دعم “ملالي إيران” حافظ الأسد في سوريا، وألحقوا الطائفة العلوية بالطائفة الشيعية مع أن هذا مناقض لأصول مذهبهم، ثم دعموا نظام بشار في وجه الثورة السورية التي قامت عام 2011، ولولا دعمهم لسقط نظام بشار، وقد سمح لهم حافظ الأسد وابنه بشار بنشر المذهب الشيعي، فتحولت كثير من الأسر إلى المذهب الشيعي، وقامت كثير من الحسينيات في طول البلاد وعرضها، وأقاموا المساجد على كثير من القبور والمشاهد، وأنشؤوا حوزات علمية ومعاهد دينية تخدم توجههم الطائفي المذهبي.

“أقام “ملالي إيران” علاقات مع معظم الفصائل الفلسطينية وأمدوها بالمال والسلاح من أجل أن يكون لهم يد في القضية لأنهم يعتقدون أن ذلك سيكون مدخلا لتجميل “مشروع ملالي إيران” من جهة، ومدخلا لقلوب المسلمين من أجل “نشر التشيع” من جهة ثانية”.
– العراق: وضع “ملالي إيران” عيونهم على العراق منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة الإيرانية، لأن فيها “المقدسات الشيعية” من جهة، ولأن فيها أكبر “طائفة شيعية” في العالم العربي من جهة ثانية، وقد قامت حرب ضروس بين نظام “ملالي طهران” ونظام “صدام حسين” استمرت ثماني سنوات دمرت البلدين.

وقد تعاون “ملالي إيران” مع أميركا وإسرائيل في محطات عدة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأبرز الفضائح التي أشارت إلى ذلك فضيحة إيران-غيت التي وقعت عام 1985.

ثم تعاون “ملالي إيران” مع أميركا أثناء حرب التحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت عام 1991، ومرة أخرى تعاونوا مع أميركا أثناء احتلالها العراق عام 2003، ودفعوا كل قيادات الشيعة الدينية والسياسية من أجل إنجاح هذا الاحتلال.

نجحت أميركا في احتلال العراق خلال ثلاثة أسابيع فقط وهي فترة قياسية، ثم تعاونت القيادات الشيعية الدينية والسياسية في العراق مع المحتل، واستلمت قيادة العراق، واستأثرت الطائفة الشيعية بمعظم المناصب السياسية والعسكرية والأمنية في عهد نوري المالكي، واتضح أن العراق يتجه إلى التقسيم المعلن، وهو الآن في دائرة التقسيم المضمر، فهناك دولة كردية في الشمال، وطائفة سنية مضطهدة من قبل حكام بغداد في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب.

– اليمن: دعم “ملالي إيران” الحوثيين بالمال والسلاح والخبرات، وخاض الحوثيون حروبا عدة مع الجيش اليمني عندما كان علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية، ثم التف الحوثيون على الاتفاق الدولي الذي رسمته “المبادرة الخليجية المعدلة” واحتلوا صنعاء في 21/9/2014، وها هم الآن يعيدون تكرار ما فعله حزب الله في لبنان، في محاولة لاختطاف اليمن وتشكيل دولة لهم داخل الدولة.

من المعلوم أن “المشروع الغربي الصهيوني” هو المشروع الفاعل والمؤثر في المنطقة منذ قرن ونصف القرن، وهو يلتقي مع “مشروع ملالي إيران” في محاور عدة، أهمها محوران اثنان، هما:

الأول: تفتيت الوحدة الثقافية:

من المعلوم أن نشر المذهب الشيعي سيكون في محيط أهل السنة، وسيؤدي إلى صراع معهم، وهذا ما سيؤدي إلى تفتيت الوحدة الثقافية، مع أن هذه الوحدة هي أثمن ما نملك في مواجهة الصراع مع المشروع الغربي الصهيوني، وهي ما يجب أن نحرص على بقائها وعدم إضاعتها في معارك جانبية، وتوفير طاقة الأمة من أجل البناء الحضاري.

الثاني: التجزئة السياسية:

“مشروع ملالي إيران” مشروع معاد للأمة منذ أن قاده الخميني عام 1979، وربما كانت حقيقة هذا المشروع خافية على كثير من أبناء الأمة ودعاتها وعلمائها وجماعاتها وأحزابها في البداية، لكنها لم تعد خافية على أحد بعد أحداث العراق عام 2003، وسوريا عام 2011، واليمن 2014″.
لقد كانت ثمرة تحريك “ملالي إيران” الطوائف الشيعية في العالم العربي، التجزئة السياسية للبلدان العربية، وهو ما قد يحصل في العراق بتقسيمه إلى ثلاث دول: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب. وهو ما يحصل الآن في اليمن وترجيح تقسيمه إلى دولتين، وهو ما يمكن أن يحصل في سوريا من ناحية إمكانية تقسيمه إلى عدة دول: دولة للعلويين في حمص والساحل، ودولة سنية في حلب ودمشق، وكردية في الشرق، ودرزية في الجنوب.. إلخ.

والآن بماذا نحكم على “مشروع ملالي إيران”؟ من الجلي بعد تلك الوقائع المتعددة أن نحكم على هذا المشروع بأنه مشروع عدو للأمة، وقد تأكد هذا بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فقد قدمت قيادات “مشروع ملالي إيران” كل الدعم لقوات الاحتلال من أجل غزو العراق واحتلاله، وقد كانت نتيجة ذلك تدمير العراق ومقتل مليون شخص، وحل جيشه الذي كان يعتبر أكبر جيش عربي مواجه لإسرائيل بعد انسحاب مصر من المواجهة إثر اتفاقات كامب دفيد عام 1978.

وقد تأكد أيضا أن “مشروع ملالي إيران” عدو للأمة عندما ساند نظام بشار الأسد الذي كاد يسقط عام 2012 بعد ثورة الشعب عليه في 15/3/2011، وعندما أمرت قيادة هذا المشروع حزب الله بإرسال قواته لسوريا امتثل الحزب للأمر، مما جعل النظام يصمد في وجه الثورة عام 2013.

من الواضح أن “مشروع ملالي إيران” مشروع معاد للأمة، منذ أن قاده الخميني عام 1979، وربما كانت حقيقة هذا المشروع خافية على كثير من أبناء الأمة ودعاتها وعلمائها وجماعاتها وأحزابها في البداية، لكنها لم تعد خافية على أحد بعد أحداث العراق عام 2003، وسوريا عام 2011، واليمن 2014، لذلك يجب أن يراجع جميع الذين أخطؤوا في فهم حقيقة المشروع مواقفهم، ويصوبوا حركتهم بناء على الحقائق الجديدة، فالتراجع عن الخطأ خير من التمادي فيه، وإلا فإن حكم الأمة والتاريخ سيكونان قاسيين في حقهم.

الخلاصة: لقد انطلق “مشروع ملالي إيران” عام 1979 بقيادة الخميني، وقد استهدف تغيير هوية الأمة إلى “أمة شيعية”، وقد استخدم عدة أدوات، منها: استغلال القضية الفلسطينية، ثم إحداث تغييرات جذرية في عدد من الدول العربية بالتعاون مع المشروع الصهيوني الغربي، وأبرز نتيجتين حققها المشروع هما: تفتيت وحدة الأمة الثقافية والتجزئة السياسية لبعض البلدان العربية، لذلك كان من الطبيعي أن تصنف الأمة هذا المشروع بأنه مشروع عدو لها.

(الجزيرة)

السابق
تركيا تتحدث عن «تأخير طفيف» في برنامج تدريب المعارضة السورية
التالي
واشنطن: لن نقاتل إلى جانب حلفاء إيران