«أم العمد» تحرس الناقورة: بعض محتوياتها في «اللوفر»

عند الكتف الشرقي لبحر الناقورة تستريح مدينة، هجرها أهلها قبل آلاف السنين تسمى «أم العمد». ما زالت تلك المدينة الواقعة على مساحة أكثر من 60 ألف متر مربع، تشهد على حقبة تاريخية مهمة، وتخبر عن فن معماري ودقة في الحفر والنحت بأدوات تعود إلى عصر إنشاء المدينة «الحديدي» الذي سمي بذلك تيمناً باكتشاف الحديد قبل زهاء ثلاثة آلاف سنة.

إلى أسابيع خلت، كانت أشجار البطم والسريس والقندول والبلان، تغطي مكونات وعناصر المدينة الاثرية، وهي واحدة من المدن الفينيقية في آخر جهة الجنوب. وللمرة الأولى منذ 72 عاماً، تعود «أم العمد» بحلة جديدة، حيث بات باستطاعة أبناء المنطقة والسياح التمتع بمحتويات المدينة الاثرية المشرفة على مرفأ الناقورة في منطقة «اسكندرونا»، وهذه المنطقة تسمى كذلك نسبة إلى الإسكندر المقدوني الذي سقطت بيده «أم العمد» في العام 633 قبل الميلاد.
كل شيء في المكان أو جزء منه، مما تولت بلدية الناقورة تنظيفه ضمن اتفاق مع المديرية العامة للآثار ورئيس الفرقة البحثية للفنون والآثار في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن بدوي، يعيدك إلى مرحلة غابرة، كانت ممراً إجبارياً إلى الفن المعماري الحديث وأعمال النحت وصقل الصخر والرخام بشكل دائري على وجه الخصوص.
أظهرت عمليات التنظيف التي شارك فيها عشرات العمال بشكل بارز محتويات المدينة لا سيما المناطق السكنية المبنية بحجارة من الصوان ومعبدَي عشتارت، وأجران معاصر الزيت وعشرات الأعمدة والتيجان والجدران القائمة التي استخدم في بنائها «طين» لا يختلف عن صلابة الصخور.
تهدف المرحلة الأولى من الأعمال في «أم العمد» التي يمولها مجلس البحوث إلى توثيق المدينة المذكورة من خلال إصدار كتاب باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، يتضمن كامل التراث الأثري والمعماري لمنطقة الناقورة، ويكون الأول بعد دراسة الباحث الأثري الفرنسي موريس دونان الصادرة في العام 1962 باللغة الفرنسية، يوثق فيها الموقع الذي كانت أجريت فيه حفريات للمرة الأولى من قبل الانتداب الفرنسي بين العامين 1943 و1945، على أن تلي تلك المرحلة إعادة تأهيل الموقع بالاتفاق مع المديرية العامة للآثار.
يعود أساس مدينة «أم العمد» إلى العصر الحديدي الفينيقي، أي قبل الألف الأول للميلاد، وتحتوي وفق الدكتور بدوي، على معبدَين: معبد عشتارت ومعبد ملك عشتارت، وهما من أسس فينيقية تم رفدهما بعناصر أغريقية بعد سقوط المكان أو المدينة بأكملها بيد الاسكندر، وبقيت المدينة مسكناً من الفترة الحديدية إلى العصر الصليبي البيزنطي.
وتتألف المدينة من مناطق سكنية لا تزال ظاهرة، وأبراج ومعاصر وأجران الزيت، والأعمدة المتوسطة الحجم والتيجان التي ترجع إلى الفترة الكلاسيكية، والسلالم الحجرية والعتبات الحجرية المنقوشة وسواها من عناصر العيش آنذاك.
ويشدد بدوي على اهمية المشروع الذي يعيد الضوء الى مدينة «أم العمد» بعد غياب سبعة عقود ونيف، وإعادة وضع الموقع الأثري المذكور إلى الخريطة الثقافية والسياحية للمنطقة، ما يساهم بشكل فعال في عملية التنمية المحلية لأبناء المنطقة عموماً والناقورة خصوصاً.
ويذكر بدوي أن قطعاً أثرية مهمة للغاية كان عثر عليها في المكان في العام 1860، جزء منها معروض في متحف «اللوفر» في فرنسا، وجزء منها معروض في المتحف الوطني في بيروت، ومنها الساعة الشمسية الفينيقية وتماثيل وغيرها.
ويرى نائب رئيس بلدية الناقورة وفيق سبليني أن هذه الخطوة تؤسس لأعمال مستقبلية في المدينة الأثرية، مضيفاً أن إمكانات البلدية محدودة جداً، وهي بالكاد أمنت تمويل عملية التنظيف وإزالة التشوهات عن محتويات الموقع.
وناشد سبليني وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار المضي في تأهيل الموقع، حتى يصبح قبلة للسياح من أبناء المنطقة وكل لبنان والباحثين والدارسين في التراث والآثار.

(السفير)

السابق
8 طرق لمنع التجسس على محادثاتك على الواتس اب
التالي
منظمة حقوقية تتهم القوات السورية بقتل اكثر من 600 طبيب خلال 4 سنوات