أنا شارلي وقد اكون علمانيا ولكن..

شارلي ايبدو
كلنا مع فرنسا ضد ما تعرضت له من إعتداء. اذ لا احد يقبل اغتيال اصحاب فكرة. فرنسا مدينة لكل الذين تضامنوا معها عليها ان تثبت انها مع المظلومين في العالم. أنا شارلي وقد اكون علمانيا ولكن.. أنا أيضاً كل المظلومين والمنسيين المقموعين الذين لا تعيرهم فرنسا اهتمامها.

يقال إذا أردت المتاجرة بالممنوعات فما عليك (إن ملكت السلطة طبعاً) إلا أن تمنعه لتحتكره، وإن أردت أن لا يرى الناس أطباعك ضع لهم النظارة السوداء. يروى أنه وفي قديم الزمان وعلى لسان أحد أحنك الرواة أن شخصا قدم لصديقه قدر كبير من الطعام، لما إنتهى منه أعاده إليه مع قدر صغير. فسأله الأول ما هذا؟

قال الثاني بثقة أن القدر الكبير أنجب لك قدر صغير، فرضي بذلك، ووافق على ما يصله من المواليد بإستمرار. لم يعد يسأل عن القدر الكبير صاحب الفضل طالما يهبه الكثير من الصغار. لكن عندما طال الأمد ولم يعد يحصل على ما كان يأتيه أقدار سأل، الأول الثاني عن السبب، أجابه بأن القدر الكبير كسر ولم يعد ينجب فثار عليه و نقم منه حتى عاده و قتله.

بالعودة إلى تظاهرة باريس المليونية فلقد خاب الظن إذ لم نشاهد فيها رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، ولم نلحظ رئيس زيمبابوي روبرت موجابي ولم نلمح الرئيس الصينى هو جينتاو. كما إستغربنا لبرهة قصيرة غياب رؤوساء الدول العربية المخلوعين. لقد شارك رئيس الوزراء الإسرائيلي في التظاهرة متضامناً، وكذلك فعل كثير ممن لطخت أيديهم بدماء الأبرياء و على سبيل السخرية فقد يخبرنا أحدهم أنه قد غاب أحد الزعماء الديكتاتوريين لدواعي صحية أو أن الموت الذي يمارسه على شعبه و يسلطه على الآخرين قد غيبه.

حسناً فعلت فرنسا بدعوتها العالم للتظاهر فهي أوجدت من يتضامن معها. لقد نجحت في جمع العالم و الرأي العام حولها، أغلبهم تعاطف ومعظمهم ناصرها، الامر الذي سبقتها إليه الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول 2001. اذ خاضت اميركا لأجله ولم تزل حربا ضروسا ضد فئة يفترض أنها قليلة لينتهي بها الأمر إلى حروب إقليمية و أخرى دولية قسمت العالم إلى فسطاطين متقابلين متجابهين.

قد يطول موعد تناحر الفسطاطين لكن التراكم سيزيد الفتنة و ينشر الشر وتضاف أحقاداً على أحقاد و وتضيع الأيام في قتال لا يقدم و لا يؤخر. حروب قد تنصب فيها على البنادق مصاحف وعلى المدافع أناجيل و على البوارج تورات، تضيع الكائنات في خضم الصراعات فلا يكون للحكمة مطرح ويكتفي الجهل بالمنقول و يسود المجون و يُلحقُ العاقل بالمجنون. أنا شارلي طبعاً ولكن…

أنا السوري المذبوح، أنا العراقي الحي المدفون، أنا اللبناني المغدور، أنا الطفل الباكستاني المقتول، أنا محمد الدرة وأنا فلسطين المغتصبة، أنا ميانمار المسبية، أنا الكردي بلا هوية، أنا الصومالي الجائع، أنا البحريني الحائر، أنا كل المظلومين و المنسيين المقموعين.

على قادة فرنسا وحكامها و شعبها أن يتصرفوا مع تظاهرة التأييد و التعاطف على أنها دين عليهم إيفائه للشعوب المظلومة المقهورة و المقتولة، عليهم أن لا يقعوا بما وقع به الآخرين و تبادل الإرهاب بالإرهاب و الحقد بالحقد و الكره بالكره، ولا يصبحوا طرفا في صراع تسعى دول أخرى إلى توريطهم به و تسعى من خلاله إلى عزلها عن الشعوب المقهورة لتثنيها عن دعمهم. فرنسا العلمانية التي نعرفها قدمت لأمريكا الليبرالية هدية هي عبارة عن تمثال للحرية و أحسب أنها قدمت دماءً على مذبح تلك الحرية و نحن على يقين بأنها جمهورية الثورة و لن تخذل أبداً لا الأحرار ولا الحرية. أنا شارلي طبعاً و قد أكون في نظر البعض بعد هذا علمانياً و لأنني ربما كذلك فإني أرفض أيضاً الإرهاب الفكري الممارس من قبل البعض في الغرب على المسلمين بالجملة.

السابق
ابو فاعور اقفل مراكز جمع عينات الدم ومراكز تجميل
التالي
الحجار : جلسة الحوار الثالثة مع حزب الله ستبحث الملف الرئاسي