عندما تخلى الجميع عن جبل محسن.. بلا خجل

مرّ التفجير الانتحاري المزدوج في جبل محسن كغيمة صيف. صمت الجميع مريب، لا كلمة تُشعر هذا الطرف بأنه مغبون، ولا تصريح يضع الطرف الأخر لا شعورياً وفي اللاوعي متضامناً مع القائل، كي يخفف من وطأة شعوره بالظلم، ورد الإعتبار.

وكأن شيئاً لم يكن، استفاقوا في اليوم التالي باكراً، أغلبهم خرجوا لملاقاة ثلوج العاصفة زينة في الجبال، وأخرون صمدوا في منازلهم يحاولون التلذذ بدفء الشتاء والمؤكلات الساخنة التي تكافح العواصف.

هو يوم طبيعي جداً، لا شيء يذكرهم بالمأساة، لا تلك الوسائل الإعلامية التي كانت تلون أخبارها بعد كل تفجير لتتهم هذا الفريق أو ذاك، ولا تلك التعليقات الساخرة التعصبية التي تقرأها وتستفز بها على مواقع التواصل الإجتماعي من ثم تكتب رداً عليها، ولا حتى تعليقات بعض الفنانين والإعلاميين والمشاهير اللبنانيين المحسوبين على الأحزاب اللبنانية المتناحرة والمنقسمين طائفياً والذين يستغلون تلك الفرص ليخرجوا الى جمهورهم مرتدين قناع البكاء، من ثم يقفلون حساباتهم ويبدأون بلياليهم الحمراء، أو يقدمون فاتورتها لزعيمهم السياسي علها توصلهم الى قبة مجلس النواب.

لم تفتح تلك المحطات الاستفزازية هواءها لدقائق وساعات من الشحن المذهبي مع أبواقاً متخصصة بتحويل المأساة الى شحن طائفي، أبواقاً بات يعرفها اللبناني جيداً ويعرف أين ستظهر وعلى أي قناة بعد كل إنفجار.

صمت الجميع مريب، لا كلمة تُشعر هذا الطرف بأنه مغبون، ولا تصريح يضع الطرف الأخر لا شعورياً وفي اللاوعي متضامناً مع القائل، كي يخفف من وطأة شعوره بالظلم، ورد الإعتبار.

هذا المشهد غير المألوف في حياتنا بعد كل انفجار اختبره لبنان، حيث بات خبر العملية الإنتحارية المزدوجة والتي حصلت في إحدى مقاهي جبل محسن الذي يأخذ بعداً طائفيا وسياسياً معينة يشبه الى  حد بعيد خبر إقفال مطعم هنا بحجة الفساد الغذائي، أو وفاة طفل من النازحين السوريين من شدة البرد، هذا الجبل الذي كان قبل حوار حزب الله – تيار المستقبل صندوق بريد في تصفية حسابات المنطقة العربية والمحيط الأطلسي وربما القارات جميعها.

استشهد من استشهد، وتيتم من تيتم، ورملت من ترملت وكل شيء بهدوء، تماماً كأنه مشهداً تمثيلياً قاسياً مر مرور الكرام في مسلسل تركي، تألمنا بما شاهدناه قليلاً من ثم نسيناه فوراً.

هؤلاء الثكالى والأيتام والمفجوعين، تُرِكوا لمصيرهم، وجهاً لوجه أمام الموت، أمام وحش الإرهاب، أمام هول كارثة رفض أكثرية اللبنانيين الإعتراف بقسوتها والتضامن معها لأكثر من دقائق.

نزلوا أبناء المنطقة المنكوبة، لملموا جراحهم، بلسموا خواطر بعضهم، بكوا دمعة صادقة، دمعة قهر المصاب وحزن على شيء لم يخرجوا من صدمته حتى الآن، دموع قليلة مقارنة مع أحداث مضت، ربما دموع قليلة جداً لكنها صادقة، لأنها لم تكن تجميلية، أو سياسية كاذبة، أو تضامنية شكلية.

السابق
لست ارهابية ولا انا شارلي
التالي
«داعش» يخترق السينما