من وحي شارل ابيدو.. الإرهاب الديني قمة الدكتاتورية

إن الإرهاب العابر للحدود يمثل خطرا كبيرا على المجتمعات كافة، ورغم أوجه التباين الظاهر بين الحركات المتطرفة، إلا أن تنظيماته أصبحت شبكة واحدة، تربط بينها معالم متقاربة، وإذا كانت هناك جهود أمنية ودينية لمقاومته، فمن الواجب أن تكون هناك جهود فكرية تتحرك لمعالجة المسألة، ووضع دراسات تنويرية جديدة.

أوقع هجوم برشاش وقاذفة الصواريخ شنه ما لا يقل عن مسلحين ملثمين اثنين على مقر صحيفة “شارلي ايبدو” الساخرة في باريس 11 قتيلا بينهم شرطيان، في عملية غير مسبوقة ضد وسيلة اعلام في فرنسا. على اثر الاعتداء تجمع زهاء ٣٠،٠٠ من الفرنسيين في ساحة “الريبوبليك” وصرخوا صوتا واحداً حرية… نعم لحرية التعبير. إذاً هو فيروس اطفال درعا ينتقل عبر الحدود الى فرنسا. حريه تلك الكلمة ذات السحر تنتشر كالنار بالهشيم.

يحتّم تنامي خطر الإرهاب والتطرف تكثيف الجهود من أجل التوصل إلى سبل علاجه والتوقي من أخطاره. إن مكافحة الإرهاب في العالم ليست مسؤولية الحكومات فقط، بل يجب ان تنتقل همومه ومشاغله إلى النخبة المثقفة لتضع يدها على مكمن الداء، حيث أكدت دراسات متعددة أن مقاومة هذا الغول الذي أصبح يجتاح العالم، يحتاج إلى رؤى أكثر شمولا تتجاوز الحل الأمني، حتى يتسنى اجتثاثه من منابعه التي سمحت له بأن ينمو وينتشر بصورة مخيفة تهدد مجتمعات كبيرة.

إن الإرهاب العابر للحدود يمثل خطرا كبيرا على المجتمعات كافة، ورغم أوجه التباين الظاهر بين الحركات المتطرفة، إلا أن تنظيماته أصبحت شبكة واحدة، تربط بينها معالم متقاربة، وإذا كانت هناك جهود أمنية ودينية لمقاومته، فمن الواجب أن تكون هناك جهود فكرية تتحرك لمعالجة المسألة، ووضع دراسات تنويرية جديدة، والإعلاء من قيمة التسامح، وتنقيح التراث واستخلاص منه كل ما يتناسب مع العصر ومقتضياته، وعدم الوقوف عند النصوص الجامدة، حتى ينطلق العالم بورشة مواجهة الارهاب موحداً.

ويتلحص فكر الجماعات الدينية المتطرفة في:

1. الحكم على المجتمعات بالجاهلية والكفر لعدم تطبيق شريعة الله واللجوء الى تشريع البشر عند وضع القوانين.

2. الهجرة من ارض الاستضعاف الى اماكن جديدة يمكن فيها تكوين نواة للمجتمع المسلم ثم العودة لاقامة المجتمع المسلم فى الدولة وان كان هناك بعض الجماعات تنادى باعتزال المجتمعات الحالية والتبرؤ منها.

3. الجهاد المسلح لتفويض اركان النظام الحاكم واقامة المجتمع المسلم محله.

وقد أعطى نجاح الثورة الاسلامية فى ايران بقيادة الامام الخمينى الجماعات الاسلامية المتطرفة الامل فى تكرار هذا النجاح فى أماكن اخرى من خلال أسلوب عمل الخلايا السرية.

بذلك، إن العالم الاسلامي بحاجة إلى إصلاحات شرعية وسياسية تحرث التربة أمام القضاء على المنظمات المتطرفة أو في الأقل الحد من شرورها على المجتمعات الغربية والعربية والإسلامية.

بالرغم من مظاهر حداثة العنف والتطرف فى بعض أتباع الدين الاسلامى إلا أن التاريخ الاسلامى منذ حداثته عرف التيارات الدينية المتطرفة فقد اغتيل ثلاثة من الخلفاء الراشدين (عمر – على – عثمان) فى صدر الدولة الاسلامية وباتساع الدولةالاسلامية واقبال المسلمين على الدنيا ظهرت” طائفة المتصوفة” التى تدعو الى الذهد والاعراض عن الحياة وهو نوع اخر من التطرف ، كما نشأت طائفة اخرى اخذت العنف والقتال وسيلة لتطهير الدولة الاسلامية واعادتها الى حالتها الاولى.

ويذكر التاريخ الاسلامى من هذه الفرق (الكرامية ، الخوارج ، المعتزلة) والمتتبع لهذه الفرق يلاحظ انها مشتركة الفكر والهدف الا ان اسلوب التطبيق هو الذى يختلف. وهذا هو حال متطرفي اليوم سواء كانوا يتبعون النصرة، او القاعدة، او ما يسمى بالدولة الاسلامية ومتفرعاتهم.

يجب علينا أن نفكّر بهدوء. ألم يكن الإصلاح الديني في اوروبا هجومًا على الكنيسة؟ ألم يكتب «مارتن لوثر» – الرجل الذي بدأ هذا الإصلاح – كتابًا عنوانه «ضد الباباوية الرومانية: مؤسسة الشيطان»؟ عندما يرفض الأزهر تكفير الدولة الاسلامية هي تحاول إعاقة خلق مارتن لوثر مسلم وتبدو متماهية مع ذلك الفكر المتطرف رغم ظاهرها السمح وتلقى بمزيد من ظلال الشك حول إمكانية خلق بيئة اسلامية معتدلة. ومن هنا تبدأ حكاية الإصلاح.

صلَّى البابا «فرانسيس»، بابا الفاتيكان، الأسبوع الماضي لأجل ضحايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق خلال خطابه السنوي في ذكرى عيد الميلاد. كانت صلواته لأجل الضحايا المسيحيين والمسلمين الذي سقطوا نتيجة عُنف «الجهاديين» ختامًا مناسبًا لواحدٍ من أبشع ما حدث في عام 2014. لكن كلماته أظهرت تناقضًا صارخًا بين تواضع الفاتيكان ووحشية «الخلافة» المُعلنة حديثًا.

هذا التناقض بين خطاب الالغاء وخطاب التسامح، سبدفع المراقبين إلى التخلي عن قواعد التهذيب والعبارات الدبلوماسية، والاقرار ان الإسلام ما يزال عالقًا في العصور الوسطى.

“ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” سورة الرعد الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم. هل من للتغيير في الاسلام سؤال يوجب الإجابة عليه اولا من قبل المسلمين فهل من مبادر؟

السابق
أحمد بيضون ينعي جريدة «النهار»
التالي
صراع حركة امل وكمال غبريس إلى الواجهة مجدداً