الحكومة تلملم تناقضاتها كنز الدليمي: أسرار أمنية واتصالات عابرة للحدود

كتبت “السفير” تقول : لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والتسعين بعد المئة على التوالي.
بقي لبنان أمس تحت تأثير صدمة استشهاد ستة عسكريين في كمين جرود رأس بعلبك أمس الاول، تمّ تشييعهم امس، وأضيف اليهم شهيد آخر سقط خلال الكشف على عبوة ناسفة في جرود عرسال، جرى تفجيرها عن بُعد، في ما بدا أنها حرب استنزاف يتعرّض لها الجيش على امتداد الحدود الشرقية.

وبات الاستهداف المتكرر للجيش، من جرود عرسال الى جرود رأس بعلبك، عبر كمائن متحركة وعبوات ناسفة، يستدعي البحث في استراتيجية جديدة للمواجهة، تسمح للمؤسسة العسكرية بإبقاء المبادرة في يدها، وفرض إيقاعها على الارض، بحيث تنتقل من موقع رد الفعل الى الفعل، في ما خص المواجهات الميدانية.

وفيما عزز الجيش إجراءاته في جرود رأس بعلبك، واستحدث مواقع جديدة في المنطقة، وكثف دورياته المؤللة، وعزز وسائل المراقبة، علم ان قواته أوقفت 40 لبنانياً وسورياً خلال مداهمة مكان وقوع الكمين الذي تعرضت له الدورية العسكرية أمس الأول.

ومن المتوقع ان تكون الاعتداءات على الجيش وقضية العسكريين المخطوفين حاضرة على طاولة مجلس الوزراء، الذي ينعقد اليوم، وسط تباينات داخل الحكومة في كيفية التعامل مع ملف المخطوفين، برغم انه يفترض ان تعزز التوقيفات الاخيرة لعدد من الارهابيين، او زوجاتهم، أوراق القوة لدى المفاوض اللبناني.

ولعل التحدي الاول الذي يواجه الحكومة يتمثل في توحيد قناة التفاوض ووقف “اللامركزية” في التعاطي مع هذا الملف، علماً أن المؤشرات تفيد بأن الاتجاه هو نحو إعادة لملمة الادارة التفاوضية وتنظيمها.

وأبلغت مصادر متابعة لملف المخطوفين “السفير” أن الدولة اللبنانية يجب ان تُحسن توظيف ورقة سجى الدليمي وأولادها في عملية المقايضة، لان الدليمي هي شقيقة قيادي كبير في “النصرة”، وابنتها هي ابنة ابي بكر البغدادي، وبالتالي فإن ذلك يمكن أن يشكل عنصر قوة لدى لبنان لتصحيح الخلل في التوازن التفاوضي مع خاطفي العسكريين.

خلية الأزمة
في ظل هذا المناخ، عقدت خلية الازمة اجتماعاً لها أمس، خيمت عليه ظلال الموقوفة سجى حميد الدليمي، وما تمثله بحد ذاتها من خطورة أمنية، بمعزل عن كونها زوجة سابقة لأبي بكر البغدادي، كما ثبت من فحوص الحمض النووي التي أجريت لابنتها هاجر وتمت مطابقتها مع الحمض النووي الذي أُخذ من البغدادي في أعقاب اعتقاله في العراق العام 2004.
وقد تبلغت خلية الازمة رسميا أمس ان الدليمي هي زوجة سابقة للبغدادي وان الاولاد الثلاثة الذين كانوا معها، عند توقيفها، هم أولاده.

وعرض الرئيس تمام سلام مضمون الاتصال المطول بينه وبين أمير قطر “الذي وضع كل إمكانياته في تصرف الدولة اللبنانية”، لكن بعض الوزراء من أعضاء الخلية لاحظ ان هذه العاطفة لم تترجم بعد الى فعل، بدليل ان الوسيط القطري لم يرجع بعد الى بيروت، لاستكمال مهمته.

وتوقف وزير الداخلية نهاد المشنوق مطولاً، خلال الاجتماع، عند نشر “السفير” نبأ توقيف سجى الدليمي، سائلاً عن المصلحة في هذا التسريب الذي يشكل معطى خطيراً.
وكان لافتاً للانتباه، ان وزير العدل اشرف ريفي هاجم مبدأ اعتقال الاطفال والنساء أياً كانوا، واعتبر أن هذا خطأ كبير يدخلنا في دوامة خطيرة.

وتم التوافق أثناء الاجتماع على المبادئ الآتية: تعزيز التنسيق بين الجيش والامن العام وفرع المعلومات، إعادة تركيز ملف المخطوفين لدى اللواء عباس ابراهيم الذي سيبقى على تنسيق مستمر مع رئيس الحكومة، ضرورة عدم التأثر بالضغط الذي تتعرض له الحكومة عبر بيانات مواقع التواصل الاجتماعي، رفض أي مقايضات فردية والتمسك بالمقايضة الشاملة التي تشمل كل العسكريين.

واستحوذ ملف الدليمي على جزء من النقاش خلال الاجتماع، استناداً الى ما تكشف خلال التحقيقات الاولية معها من علاقات تربطها بالعديد من الجماعات الارهابية التكفيرية في لبنان وخارجه.

ولكن السؤال الذي لا يزال يحير المحققين هو: ما دامت الدليمي زوجة سابقة للبغدادي وأم أولاده، فلماذا بدت جبهة “النصرة” هي الاكثر اهتماماً وحماسة لإطلاق سراحها من السجون السورية في صفقة راهبات معلولا، الى حد ان أمير “النصرة” في القلمون ابو مالك التلي أبلغ المفاوض اللبناني في ربع الساعة الأخير الحاسم من المفاوضات بأن الدليمي تساوي كل الراهبات المختطفات، ويجب الإفراج عنها لإتمام الصفقة.
ويروى أن مسؤولاً أمنياً لبنانياً سأل الدليمي، خلال تسليمها الى “النصرة” عما إذا كانت على ذمة أحد، فأجابته بالنفي.

وكان لافتاً للانتباه ان جبهة “النصرة” أيضاً هي التي أصدرت بياناً حاداً بعد توقيف الدليمي مرة أخرى، قبل أيام، وليس “داعش”.

ويدقق المحققون في الاسرار التي لا تزال تخفيها الدليمي، وعما اذا كانت قد كُلفت بمهام أمنية في لبنان، عبر رصد تنقلها في عدد من المناطق اللبنانية ومراقبة الكثير من الاتصالات التي أجرتها مع أشخاص في لبنان وسوريا والعراق.

وقد أوضح الوزير المشنوق، خلال مقابلة أمس مع محطة ” أم تي في”، أن “سجى الدليمي تزوّجت ثلاث مرات، والبغدادي كان زوجها الثاني وتزوجته لمدة ثلاثة أشهر منذ 6 سنوات، مشيراً الى ان “الدليمي تساعدنا في كشف بعض الأمور الأمنية عبر التحقيق معها وثبت أن لها علاقات مع حركات متطرفة في لبنان”.

وبالنسبة لملف العسكريين المخطوفين أكّد المشنوق أن التفاوض يتم رسمياً مع اللواء عباس ابراهيم فضلاً عن الوزير وائل أبو فاعور، مشدداً على أن ليست هناك أي جهة أخرى تقوم بمفاوضات، وان خلية الازمة تقوم بواجباتها وتتمسك بالسرية المطلقة. وقال إنه لا يتوقع نتيجة قريبة في شأن هذا الملف، موضحاً أن “الأتراك لم يتجاوبوا معنا ونحن نعالج هذا الملف مع القطريين”. وأضاف: نحن لا نعمل عند الخاطفين ولن ندعهم يخطفون البلد.

فحوص الحمض النووي

وبينما تستمر تحقيقات استخبارات الجيش مع الموقوفة سجى الدليمي، قال مصدر قضائي لـ”وكالة أنباء الأناضول” إن فحوص الحمض النووي التي أرسلتها السلطات العراقية إلى لبنان، والعائدة للبغدادي، “تطابقت” مع الفحوص التي أجريت على الطفلة “هاجر”، التي كانت برفقة طفلين آخرين مع سجى الدليمي عند توقيفها من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية.

وأوضح أن العينة التي أخذت من الدليمي لفحوص الحمض النووي “أكدت أنها هي أم الأطفال الثلاثة، ما يعني أنها إحدى زوجات البغدادي، مع أنها لا تزال تنكر ذلك في التحقيق وترفض الاعتراف به”.

وعزا المصدر التضارب بين النتائج التي توصل إليها لبنان، ونفي وزارة الداخلية العراقية أن تكون الدليمي زوجة البغدادي، الى أن السلطات العراقية قد تكون استندت إلى قيود الأحوال الشخصية المسجلة فيها أسماء زوجات البغدادي، “لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن تكون سجى زوجته من دون أن تكون مسجلة في قيود وزارة الداخلية العراقية”.
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد اعلنت عن أن زوجتي البغدادي هما أسماء فوزي محمد الدليمي وإسراء رجب القيسي، “ولا توجد زوجة باسم سجى الدليمي”.

السابق
احذروا نفق المطار ليلاً!
التالي
سلام: حملة الغذاء مستمرة ومشروع النفايات قبل نهاية العام