لينا هويان الحسن روائية وكاتبة سورية، ولدت في بادية حماة، حيث درست فيها المرحلة الإبتدائية وكانت لهذه الفترة التأثير الكبير في حياتها لاحقاً كروائية. درست الفلسفة في كلية الأداب جامعة دمشق. وكرّست لينا أولى نصوصها الروائية للبادية في أعمال مثل معشوقة الشمس، مرآة الصحراء، بنات نعش، سلطانات الرمل، رجال وقبائل. تعتبر الكاتبة الأولى والوحيدة التي كتبت عن عوالم البادية السورية وعموم صحارى الشرق الأوسط، حيث امتدت الرقعة الجغرافية التي تناولتها أعمالها إلى بوادي وصحارى الأردن والعراق ونجد.
لينا لم تكتفِ بالبادية وأتى عملها “نازك خانم” (رواية صادرة عن منشورات ضفاف ودار الاختلاف) كمفاجأة لقرائها، عملاً متقناً يروي سيرة امرأة تنتمي إلى حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وحملت من خلالها سيرة دمشقية إلى باريس وأعادتها إلى سوريا. إصدارها الأحدث “الماس ونساء”، رواية صادرة عن دار الآداب توقّعها يوم السبت 7 كانون الثاني في معرض بيروت للكتاب. عن تجربتها في الكتابة والحياة والنشر، تتحدّث لينا هويا الحسن.
· تعتبرين الكاتبة الأولى والوحيدة التي كتبت عن عوالم البادية السورية وعموم صحارى الشرق الأوسط، هل شكّل الأمر تحدّياً بالنسبة لك؟
كتبت نصوصي الصحراوية بشكل عفوي وتلقائي لم أفكر فعلا اذا ما كنت الاولى أم لا، منسوب الجاذبية عال بالنسبة لي كل ما هناك في تلك البقعة الصحراوية النائية في قلب البادية السورية تشكل لي حالة وجدانية تغذي كل الينابيع السرية لنصوصي، كان التحدي في قبول الوسط الأدبي لمثل هذه النصوص أو المرويات، والذي حدث أن القارئ كان أكثر مرونة من الناقد أو الوسط الثقافي في التعامل مع نصوصي الصحراوية، التي صمدت بفضل القاريء وطُبعت عدة مرات لسبب وحيد، أنها تُقرأ.
· ماذا تبقى من هذه العوالم اليوم في ظل الحداثة وطغيان مفاهيمها على حيواتنا؟
لاشيء، الحنين وحسب، السرعة التي فقدتُ فيها عوالمي الجميلة في البادية كانت سرعة رهيبة، ففي الثمانينات عاصرت خلال طفولتي الأيام الأخيرة فعلياً لحياة البداوة كطراز حياة، لم يعد هنالك بدو يشبهون اولئك الذين كتبتُ عنهم في روايتي: بنات نعش وسلطانات الرمل، كنتُ محظوظة بامتلاكي ذاكرة تخصّ تلك السنوات الحاسمة في انتقال البدو نهائيا من عالم الرعي إلى عالم الزراعة، أصبحوا فلاحين على عجل، لم ينجحوا بذلك بتاتاً. وأنا لم أتحرر قط من تلك الأجواء التي طبعت ذاكرتي ومخيلتي، ومنذ سنتين عندما دُمرت مزرعتنا، في ضيعتنا البعيدة هناك، سُكنتُ إلى الأبد بتلك العوالم، لايمكن أن تنتزع مني، لأني سأكتبها دائما، وفي كل مرة بشكل جديد.
أصدرت مجموعة شعرية “نمور صريحة”، لماذا لم تكملي تجربتك في الشعر وذهبت باتجاه الرواية؟
الشعر طارئ على عالمي الروائي، لا أمتلك مزاج الشاعر، كل ما هنالك أشعار كتبتها على هامش النص الروائي، الرواية بالنسبة لي عالم أكثر رحابة من الشعر. الشعر يطالبني بالتكثيف والاختصار، بينما الرواية تبيح لي مساحات شاسعة لتعدو عليها خيولي، وخيالاتي، وابطالي، فكل أبطالي هم بشر مولعون بالركض والتحليق وقطع المسافات الطويلة.
· تقولين في إحدى مقابلاتك: “الأدب هو أن نخالف أنفسنا ونفاجئ غيرنا”، ماذا أخذ منك الأدب وماذا أضاف لك؟
أخذ وقتي، صرفتُ عمري بالقراءة، والكتابة، وبالمقابل أعطاني “النكهة” ليومياتي. لا معنى لحياتي خارج الأدب.
· تستعدين لخوض تجربة تلفزيونية، حيث يتحول أكثر من عمل من ضمن رواياتك إلى إنتاج تلفزيوني. التجربة مغرية حتماً، لكن هل تخشين ألا تعطي الشاشة حقها للشخصيات الروائية؟
الخوف كبير ومشروع جداً، فالخيال أجمل من أي شاشة. البطل على الورق يظل ضمن الحيز التخيلي للقارئ ، لكن عندما ينتقل إلى الشاشة فإن الأمر يختلف، سيتم إدخال البطل ضمن برواز محدد ومؤطر، ومن الطبيعي ان لايتطابق البطل الورقي مع أي بطل تلفزيوني مهما بلغ الممثل من براعة،
لكن لابأس من فكرة نقل الرواية إلى الشاشة، ذلك سيكون لصالح النص على الأقل من ناحية الترويج له. فنحن شعوب أهم ما يسمنا أننا الأقل قراءة في العالم، شعوب عربية تقضي معظم الوقت امام التلفزيون.
· ما هو تقييمك للمشهد الثقافي العربي الحالي، تحديداً المشهد الروائي؟
المشهد يعج بالكثير، تماما كما السوق حيث تتوفر كل السلع بجودات مختلفة، من الواضح أن هذا الزمن ينحاز إلى الرواية أكثر من كل الأجناس الادبية الأخرى، إنه زمن المحاولات، الرواية تمر في حالة جدية من محاولة الترسيخ لنص روائي قادر على تحريك ذائقة الناس. تحتاج إلى تعاون حقيقي من قبل وسائل الاعلام، فالتجاهل للثقافة وروادها أمر واضح في معظم الاعلام العربي.
· كيف تمارسين طقوس الكتابة؟
أحب الكتابة الصباحية، لست من هواة السهر أو شرب القهوة أو تدخين السجائر.. كما يشتهر الكتاب عادة. أحب النوم قبل منتصف الليل بساعة أو ساعتين اذا أمكنني، كما أني اختلي بنفسي مع جهاز اللابتوب، اكتب مباشرة على الجهاز، منذ زمن طويل لم أكتب على الورق، نسيت خطي. فصل الشتاء يغريني للكتابة أكثر من بقية الفصول. كما أني أتجنب رؤية أحد خلال أوقات الكتابة، وأقلل من الكلام، ومن اللقاءات، باختصار، أختفي عندما اكتب.
· لو خيّر لك أن تكوني إحدى شخصياتك الروائية، أو شخصية روائية بالمطلق، من تختارين؟
كل الشخصيات هنّ جزءا بسيطاً من الفسيفساء الأنثوية التي أموّهها في داخلي، عبر الكتابة، جميعن يشبهنني، وبعضهن أكثر شجاعة مني، تماما كما نازك خانم. أيضا أعمد إلى دسّ بعض أسراري الشخصية في خبايا الشخصيات التي أبتكرها على الورق، فالأدب كان دائما بالنسبة لي كما الحرب، خدعة أو لعبة، مباح لنا أن نلعبها بالشكل الذي نريده.
· نازك خانم إصدار حديث عن منشورات ضفاف أيضاً، وهي مرسومة بشكل متقن جداً، ماذا تعني لك هذه الشخصية تحديداَ؟
إنها الأنثى الخام الموجودة في أعماق كل أنثى، امرأة سبقت عصرها وزمانها، رسمت دروبها بين دمشق وباريس بجرأة نادرة، امرأة تبحث عن حضورها في الحياة، وتضع نفسها في المكان الذي تريده هي، إنها امرأة تنهض صباحاً لتفكر بتحقيق ما تريده، ضمن امكاناتها الشخصية، لا تعتمد على أحد في تحقيق أمنياتها. ولا تعنيها نظرة المجتمع، أو محاكمة الناس، مشغولة بالحياة بحيث لم تكن ترى النيران الهائلة التي تشعلها غيرة وحسد نساء أخريات لم يفلحن إلا بإطلاق الشائعات. إنها رواية تحتفي بالنساء اللواتي لايضيعن أوقاتهن في مراقبة الغير أو القيل والقال، أي نساء مشغولات بأحلامهن وطموحاتهن.
· توقعين “ألماس ونساء” الصادرة عن “دار الآداب” في بيروت، في معرض بيروت للكتاب، ما سر ورود “نساء” بلا “ال” التعريف في العنوان؟
لأنني لم أقصد جميع النساء، إنما قصدتُ بعضا منهن، لاأريد ان أشمل كل النساء في هذا النص، للمرأة ألف وجه ووجه، وهنا قدمت عدة وجوه مختلفة وبنفس الوقت متشابهة، لنساء عشن الحياة كما أردن، فعلن ذلك في وقت مبكر نسبيا، أي منذ مطلع القرن العشرين، هاجرن، وابتعدن، ولم يتركن أقدارهن للصدف. أيضا رفضن مبدأ التضحية، لا أبجل النساء اللواتي يصرفن شبابهن أو اعمارهن في سبيل غيرهن، هذا المنطق غير موجود لدى ” نسائي” جميعهن أنانيات بشكل ما.
· أيضاً في “الماس ونساء”، تقدمين منظورا مختلفا لمعاناة شعوب المنطقة للحصول على الحرية بمفهومك العام والخاص، ماذا أردت أن تقولين؟
الحرية ليست لافتة نرفعها ونمشي في ظلالها، إنما طراز حياة نعيشه، “نسائي” لم يتحدثن عن الحرية إنما عشنها، بشكل حقيقي، وبإصرار كبير، أيضا استعملن كل أسلحتهن الأنثوية الخفيفة والثقيلة، جمالهن، ذكاءهن، دموعهن، أحيالهن، كيدهن.. في سبيل تحقيق مآربهن وطموحاتهن الشخصية.
· هناك حزن يشوب جمال لينا هويان الحسن، هل يمكن للأدب أن يعطينا السعادة؟
الأدب بحد ذاته، جمال، كل النساء اللواتي يكتبن الأدب جميلات بشكل ما، أما بالنسبة للحزن فهو مكوّن أساسي في وجداني وذاكرتي، تحديداً منذ ذلك التاريخُ الذي قُتِلَ فيه شقيقي، أي قبل سنتين ونصف تقريباً، تلك اللحظة التي تأكدت فيها من أن الحياة غير عادلة بالمطلق، تغيرت أشياء كثيرة، سواء في حياتي. الأدب كان طوق النجاة الذي تمسكت فيه خلال عاصفة مرعبة مرّت بها العائلة.