أديب نعمة: العصبيات أفسدت الثورات.. وليس الدين

في إطار متابعة موقع "جنوبية" للتحركات الشعبية والانتفاضات في عدد من الدول العربية ودخول هذه التحركات والانتفاضات عامها الرابع حاورت "جنوبية" عدداً من المهتمين والمتابعين للانتفاضات ،في سلسلة حوارات سننشرها تباعاً. وقد التقينا مع الباحث والناشط أديب نعمة في الحلقة الأولى، الذي كانت له مداخلة تراوحت بين الدين والمجتمع والثقافة والسياسة.

بدأ الحديث مع الباحث والناشط أديب نعمة حول العلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في الانتفاضات، فقال نعمة إنّ “العوامل الداخلية تبقى مؤثّرة وتشكل ضغطاً ما على الأحداث، يكبر تأثير ويتضاءل بحسب الظروف، ومن جهة العوامل الخارجية كبر دورها في بعض البلدان، وصارت أوزان العوامل الداخلية شبه معدومة، والأوزان الخارجية لها طغيان كاسح ومن هذه البلدان ما يحصل حالياً في سورية، أما في لبنان يتم استخدام العامل الخارجي داخلياً الذي صار مرتبطاً بالخطة الاستراتيجية للقوى الخارجية”.أديب نعمة

ويورد نعمة أمثلة مضادّة: “مثلاً في تونس ومصر ما زالت العوامل الداخلية هي الأساس. في تونس استطاعت القوى المدنية أن تفرض أجندة خاصة بالبلد، وهي أجندة تتوازن مع الخارج وشكلت مخرجاً للقوى السلطوية المتنازعة، خصوصاً أن تأثير المجتمع المدني كبير جداً، بسبب تأثيره بأوروبا تاريخياً وبعده عن إسرائيل ووجود رأي عام ضاغط”.

واعتبر أنّ “تأثّر تونس بالمثال الأوروبي واضح بوجود نقابات عمالية قوية ومنظمات مجتمع مدني مؤثرة، وقربها من القارة الأوروبية أظهر حاجتها إلى الحداثة. وفي مصر، مثال آخر، بلد ضخم لا مجال للعوامل الخارجية أن تكون المؤثر الأول وجيشها ضخم جداً وله دور اقتصادي واجتماعي واسع. ما سمح له بحسم الصراع الداخلي في صراعه مع محمد مرسي. فعندما وصل الإسلاميون إلى السلطة أغدقوا بالوعود ولم يستطيعوا تنفيذ ما تم الوعد به، فوقف الناس مع الجيش (العلماني) ضد الحكم (الإسلامي)”.

لكن هل حصل تغيير ما على صعيد المجتمع والسلطة في دول الربيع العربي؟

برأي نعمة أنّه “في كل البلدان حصلت تغييرات والتغيير ليس دائماً إلى الأمام أو باتجاه اليسار، يمكن أن يحصل تغيير خلافاً لرغبة المبادرين إلى التحرك. لكن يمكن ملاحظة أنّ البلدان التي استخدم فيها السلاح تعرضت للخراب، والحرق الشامل بما فيه قاعدة القيم الاجتماعية والثقافية ويعود ذلك لأن أربعين عاماً من حكم النظم الإنمائية دمرت كل القوى السياسية وأفنت الحياة السياسية والاجتماعية، واستخدمت قوى دينية لإنهاء أي محاولة للتقدم والدخول في الحداثة”.

ويعتقد نعمة أنّه “عندما انفجرت هذه المجتمعات لم يجد الناس سوى العودة إلى المكوّنات الأثرية والأولية. وخصوصاً أن هذا الانفجار جار في زمن العولمة التي هي بدورها دمرت البدائل. وهذا يفتح الباب لنقاش العولمة التي هي بحاجة إلى طرقات، فالعولمة في المركز شيء وفي الأطراف شيء آخر. والعولمة خربت فكرة الدولة الوطنية، لأنّها لا تعترف بسياسة السيادة، وأمام توسع العولمة خربت وظائف الدولة، وخصخصت السياسة التي صارت مساحتها ضيقة، وبالتالي فإنها تدمره ولم تأخذه للحداثة، وبعد أي انفجار والقوى الاجتماعية تنظيماً، وبالتالي كان من الطبيعي أن تنشأ تيارات سياسية مثل داعش.

وانتقل نعمة إلى الحديث عن تجربة أخرى هي تجربة اليمن “حيث لم يكن هناك ساحة تحرير واحدة بل أكثر من 19 ساحة تحرير، وعلى الرغم من وجود كميات كبيرة من الأسلحة بين أيادي اليمنيين، إلا أنهم لم يستخدموا السلاح. وقد حصل توافق دولي وخليجي أدى إلى حوار وطني، كان من المفترض أن يقدم حلولاً للأزمة اليمنية، لكن الإدارة التي استلمت السلطة كررت الأخطار وحصل سوء لإدارة الوضع الداخلي، إضافة إلى تفاقم الفساد وأبعاد الحوثيين والجنوبيين عن المشاركة أدى ذلك إلى توسع الدعم الإقليمي للحوثيين الذين أخذوا البلد بتواطؤ داخلي. والفراغ المؤسساتي كان سيد الموقف في اليمن، وهذا ما ساهم في تقدم الحوثيين واستيلائهم على مناطق واسعة من البلد، لذلك بات من المرجح دخول اليمن في أتون الحرب الأهلية”.

ينقل نعمة “النقاش إلى فلسطين، حيث المقاومون حملوا السلاح ضد الاحتلال، لكنّ السلاح لم يعد مفيداً، فما هي الأدوات الممكنة لمواجهة الاحتلال؟”.

وحول ما إذا كانت الثقافة الدينية تشكل عائقاً أمام تطور المجتمعات، أوضح نعمة أنّ “الإسلام دين مدني وبالتالي الثقافة الإسلامية ليست العائق، إنها مثل الثقافة القومية والثقافة الشيوعية، لكن الميول التعصبية في كل الثقافات تؤدي إلى حروب أهلية، والتيارات الإسلامية الإقصائية تجر المجتمعات إلى حروب أهلية، ويلاحظ هنا أن العمود الفقري لداعش هو مجموعة الشبكات التي قاتلت في أفغانستان”.

واعتبر أنّه “إذا كان الدين يصعّب التقدّم والدخول إلى الحداثة فالجواب: نعم، وخصوصاً إذا استخدم الدين في الحياة السياسية اليومية. فالناس من مصر وقفت ضد مرسي لأنه لم يقدم حلولاً، جوابه كان وحيداً: الإسلام هو الحل. في حين أنّ الناس طالبوه بتحسين الوضع المعيشي يرد مرسي بالأيديولوجيا، لذلك أيّد الناس العلمانيين “والكفّار” كما كان مرسي يصف معارضيه. والشعوب حالياً تجد نفسها بدون مرجعية، والضغط الأيديولوجي عليها شديد، فإذا حاولت مراقبة 3000 محطة تلفزيونية تجد أن 290 محطة منها محطات دينية لكنها لا تحمل خطاباً دينياً واحداً، فبرامجه تتراوح ما بين داعش وصولاً إلى التيارات الإسلامية المعتدلة. وبغياب مرجعية أخرى فإن الناس تجد أمامها خياراً وحيداً هو الدين المستخدم بالسياسة. والتيارات الإسلامية لا تستمدّ قوتها من ذاتها فحسب بل من غياب الدولة ومشروع الدولة المدنية. والتعصب عند جهة معينة يولد تعصباً من جهة أخرى وهذا ما نلاحظه بين الطوائف اللبنانية. وفي سورية مثلا فإنّ النظام دمّر المعارضة وهجّرت القاعدة البشرية الاجتماعية ودمر النسيج الاجتماعي فلم يبق إلا الحرب الأهلية”.

وعاد نعمة إلى الحديث عن لبنان الذي يصف وضعه بالأصعب بين بلدان المحيط: “فلدينا أثر الحرب الأهلية، بالمقابل لا نملك نظاماً أو دولة لإسقاطها. مشكلة لبنان مع 7 – 8 زعماء طوائف. نظامنا اللبناني لامركزي، إنه نظام غنائمي بامتياز. ولقد مرّ البلد بلحظة تاريخية بعد اغتيال الحريري، حيث تجاوز الجمهور الحرب الأهلية، وتجلى ذلك في 14 آذار، لكن بعد ذلك عادت سلطة الأحزاب وشطبت تلك اللحظة التاريخية وعدنا لإنتاج الانقسامات القديمة، يومها لو توصلنا إلى تسوية سياسية لأنتجنا سياسة جديدة، الذي حصل هو تواطؤ بين الزعماء أنتج التحالف الرباعي”.

وختم نعمة اللقاء بطرح سؤال: “هل الحراك هو سباق طبيعي؟”. وأجاب عليه قائلاً: “أقدم الشباب على التغيير عفوياً عامي 2010 – 2-11 من دون وعي للظروف الموضوعية والذاتية التقليدية للتغيير، فهل لا يملكون مرجعية نظرية وسياسية، في مكان ما يجب نجاح نموذج إيجابي يشكل مرجعية للآخرين، وهذا النموذج قد ينجح في تونس أو مصر، التي تشهد حالياً تحرك طلاب ضد السيسي الذين يماثل مبارك بقمعه لقوى التغيير، من خلال قمع الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، القضايا المعيشية، وقفه من أحداث غزة، وفي تونس يمكن بناء نموذج إيجابي”.

 

السابق
ايران سوف تقاتل في سوريا حتى آخر شيعي لبناني
التالي
حزب الله يمنع الاستفزاز خلال عاشوراء في صيدا