رأب الصدع بين أميركا والعرب

مع تزايد حجم تدخل الولايات المتحدة العسكري في العراق وسوريا من خلال الحرب الجوية ضد تنظيم «داعش»، وتصاعد وتيرة الأصوات المطالبة بالمزيد من التدخل في الصراع الدائر في كلا البلدين، أصبح الرأي العام الأميركي يتعرض لوابل لا ينقطع من التعليقات والتحليلات حول «داعش» والوضع في الشرق الأوسط وبقية القضايا ذات العلاقة بالإسلام والمسلمين. ولسوء الحظ، فإن معظم هذه التعليقات يتميز بالضحالة والسطحية، وأغلبها لا يعدو أن يكون مجرّد لصق بارع لجملة من الأخبار المتناثرة.

وفي الوقت الذي تم فيه استدعاء بعض كبار المحللين ممن يتميزون بعمق المعرفة وقوة التعبير للظهور في بعض وسائل الإعلام، سمحت بعض الشبكات الإعلامية الأخرى لأشخاص غير أكفاء بالخوض في هذه القضايا، ومن أمثلتهم، الضباط المتقاعدون، والمسؤولون المنتخبون أو الذين سبق انتخابهم، وبعض «الرؤوس المتحدثة» المدفوعة الأجر! وغالباً ما يتباهى هؤلاء بفهمهم الضحل لبعض المفردات العربية ذات الصلة بالمواضيع المطروحة مثل (سنّي، شيعي، جهادي..)، وبقدرتهم على استخدامها بلفظها العربي في الجمل الإنكليزية التي يتكلمونها. إلا أن الخبراء الحقيقيين قد لا يجيدون نطق هذه الكلمات. كما أن بعض الشبان الذين ابتسمت لهم حظوظهم في تجارة العقارات وانتخبوا في ما بعد أعضاء في الكونغرس الأميركي، ليسوا مؤهلين للحديث عن بلاد لم يزوروها ولا يعرفون عن أوضاعها وثقافاتها شيئاً، ولم يطالعوا ورقة واحدة من البحوث المتعلقة بها.
وقد أصبحت متابعة أحاديث هؤلاء «الخبراء» حول الإسلام أو ثقافة العرب أكثر من مزعجة. كما أنها تنطوي على كثير من الأخطار. وبدلاً من أن يعملوا على الرفع من مستوى النقاش، نراهم يعملون على إسقاطه إلى الحضيض. وعوضاً عن دفعنا نحن المتابعين والمحللين إلى توخي الحذر الشديد تجاه التعقيدات الهائلة التي تتميز بها الصراعات القائمة في تلك المناطق، نراهم يختصرونها ببعض العبارات البسيطة أو المهلهلة المبتذلة.
وقد سبق للولايات المتحدة أن عانت من قبل من مثل هذه الأساليب الهابطة في التحليل المتعلق بقضايا الشرق الأوسط. ويُخشى أن ننزلق إلى هذا الدرك الخفيض مرة أخرى. وخلال العقود الأربعة الماضية، تدخلنا عسكرياً بعمق في المنطقة، إلا أننا بسبب معرفتنا القليلة بشعوبها وثقافاتها وتاريخها، رأينا تدخلنا يتحول في معظم الأحوال إلى كارثة.
وقد بيّنت الدراسات الرصينة التي أنجزناها في المعهد العربي ـ الأميركي في واشنطن، أن النظام التعليمي في الولايات المتحدة لا يؤهلنا لفهم الشرق الأوسط. وقد أسهم هذا في شيوع ثقافة عند عامة الناس، تساهم في تشويه الصورة الحقيقية التي ينبغي أن نرسمها في مخيلاتنا حول المنطقة. وهذه الثقافة هي ذاتها التي اختصرت خصائص أفراد هذه الشعوب بأنهم مجرد قوم غلاظ ذوي تفكير سلبي متحجر وسطحي!
وبعد هجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة، ظهرت موجة عارمة من التعليقات والحوارات حول الإسلام والعالم العربي. وكثيراً ما كانت تُطرح أسئلة تصعب الإجابة عنها مثل: «لماذا يكرهوننا؟» و«ما مشكلة العالم العربي؟». وقد فهمنا من ذلك أن هناك مشكلة قائمة بيننا وبين العرب والمسلمين، وكنا نريد أن نفهم جذورها وكيفية حلّها. ومن المؤسف أننا في تلك اللحظة التي كان فيها معظم الناس منفتحين على المعرفة، لقينا فشلاً من وسائل الإعلام الشهيرة ومعها القيادة السياسية في مدّنا بالحقائق. وبدلاً من تثقيفنا وتعليمنا، فضلوا العودة مرة أخرى إلى طرح الأفكار الساذجة. وامتلأت الساحة بالمعلقين والمحللين الذين إما انهم من المؤمنين بتلك الأساطير العتيقة، أو ممن يميلون بطبعهم للسلبية تجاه العرب والإسلام.
وكانت الأجوبة التي ساقوها لتلك الأسئلة تتناقض مع الحقائق التاريخية، أو كانت مكررة أو ساذجة. وقد قالوا في معرض ردهم على السؤال الأول: «إنهم يكرهوننا لأن هناك من لقنهم درس كرهنا». وفي ما يتعلق بالسؤال الثاني، كان الجواب: «لقد فشلوا لأن دينهم يدعو للتخلف»! أو «فشلوا لأن ثقافتهم خرقاء عقيمة»! وبدلاً من أن يعملوا على تحطيم العوائق والسخافات حتى نتبين الطريق القويم لإعادة بناء الجسور المتهدمة التي تفصل الغرب عن العالم العربي والشعوب الإسلامية، فقد عمقوا مشاعر الخوف في نفوسنا وفعلوا كل ما من شأنه تكريس الفرقة بيننا. وكان هذا اللجوء إلى التخويف والتلاعب بالمشاعر هو الطريقة المناسبة لاستثارة الغضب، إلا أن ذلك سبّب ضرراً كبيراً.
وقد أوعزت قيادتنا السياسية بتحريض من معظم القنوات الإعلامية المشتركة معها، بدفع مئات الآلاف من شبابنا وشاباتنا العسكريين الصغار السنّ للقتال والتعرض للمخاطر في حربين فاشلتين. وكانت إدارة بوش قد قامت بغزو أفغانستان والعراق من دون أي فهم حقيقي لتاريخ شعبيهما. وهذا أشبه بدخول المقاتل إلى غرفة مظلمة. ولم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون، وماذا يمكن أن نجد هناك، وما العواقب التي ستنجم عن تخبّطنا.
وبعد مرور 10 سنوات على أحداث 11 أيلول، وبعد سبع سنوات من احتلال العراق، أجرى «معهد زغبي الدولي» استطلاعاً للرأي العام الأميركي. وما وجدناه كان مخيفاً، حيث فشل 37% من الأميركيين في تحديد موقع العراق على خريطة العالم، وكان أقل من ربع المشاركين في الاستطلاع يعرفون أن لسوريا حدوداً مشتركة مع العراق، وأعرب ثلثا المشاركين عن اعتقادهم بأن إيران دولة عربية. كما أن الأغلبية الساحقة من الأميركيين أعربت عن اعتقادها بأن «المسلمين متعصبون دينياً» فيما رأى ثلثهم أن «العرب يكرهون قيَمَنا».
وخلافاً لهذا الادعاء الباطل، فقد بيّنت استطلاعات الرأي التي أجريناها في العالم العربي أن الغالبية العظمى من العرب معجبون بالقيم والثقافة الأميركية، ويحبون الشعب الأميركي والمنتجات الصناعية والزراعية الأميركية. وهم مفتونون بالتطور العلمي والتكنولوجي للأميركيين. وأما ما يكرهونه فينا، فهي سياساتنا التي تنعكس سلباً على حياتهم ومصيرهم ومستقبلهم.

http://assafir.com/Article/18/379570

السابق
سرقة منزل في العيشية
التالي
بالفيديو: من دعت ديما صادق للعشاء؟