العبادي حلّ عقدة الحكومة وسيفكّ عقدة إيران والسعودية‎

حيدر العبادي
يسعى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، من خلال زيارته الى طهران، نحو تحقيق تفاهم لا بد منه من أجل تحقيق علاقة ثابتة وراسخة بين الدولتين الجارتين. فعقدة إيران الاساسية في العراق، كما يقول المراقبون، انها لا تقنع الا في علاقة معه على اساس الهيمنة على سياسته الداخلية والخارجية، وهو ما أدى بحسب هؤلاء الى الكارثة التي حلّت اخيرا في البلاد عبر سيطرة الارهاب على مساحات شاسعه منها.

نجح رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي أمس في حلّ الأزمة الحكومية ، وتمكن من حسم مسألة الوزارات الأمنية مع تجاوز عقدة وزارتي الداخلية والدفاع.

فقد وافق البرلمان على إسناد وزارة الداخلية إلى أحد قياديي منظمة بدر “محمد سالم الغبان” بعد ان وافق رئيس المنظمة النائب هادي العامري على التنازل عن ترشيحه للوزارة، ووافق كذلك على إسناد وزارة الدفاع إلى “خالد العبيدي” وهو نائب عن “اتحاد القوى السنيّة” وضابط سابق في الجيش العراقي أبان حكم صدام حسين.
ويبدو أنّ عجلة الحكومة العراقية العتيدة بدأت بالدوران سريعا عشيّة حلّ عقدتها، وظهر ذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد أعطى رئيس الحكومة الاشارة لوزارتي الدفاع والداخلية للمباشرة بعمليّة اعادة بناء الجيش العراقي واعداد الحرس الوطني الذي سيكون بإمرة المحافظات. وخارجيا، أعلن عن زيارة سوف يقوم بها العبادي غدا الى طهران، وكذلك بالنسبة لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم الذي اعلن نيته زيارة السعودية قريباً.

واللافت ان وزير الدفاع الجديد يتحدّر من الموصل عاصمة الشمال وهي أول مدينة سيطر عليها «داعش» في هجومه الذي شنّه في حزيران الماضي، وتمكن خلاله من السيطرة على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه.

وبذلك أصبح للعراق وزيران أصيلان للدفاع والداخلية منذ أكثر من خمس سنوات، اذ كان المالكي يتولى هاتين الوزارتين الامنيتين وكالة حتى نهاية عهده.

وينظر المراقبون الى زيارة العبادي طهران على انها محطة من المحطات المفصلية على صعيد علاقة العراق بدور الجوار، فلا يخفى عمّا لإيران من دور اساسي وتأثير بارز على الساحة العراقية، وهذا التأثير جعل منها عرضة لانتقادات واسعة من قبل المكوّن السني في عهد حكومة المالكي، وكان سببا من اسباب نجاح الحقن الطائفي والمذهبي الذي اتبعته الحركات الجهاديّة المتطرفة لتأليب الرأي العام السني ضد السلطة في بغداد من أجل التمرّد عليها، وأدى الى انخراط مزيد من الشباب في صفوف القاعدة وداعش لمحاربة “الهيمنة الفارسيّة على العراق”، وهو التعبير الذي كانت تستخدمه تلك الجماعات لتحقيق غايتها، وقد حمّلت أوساط عراقية متابعة مسؤولية ما حدث من تمدد لـ”داعش” وسيطرتها على الموصل والأنبار لتلك الشراكة الأمنيّة – العسكرية التي كانت في المرحلة السابقة بين إيران وحكومة المالكي، خصوصا بعد رفض الأخير التخلي عن الوزارات الأمنية التي بقي قابضا عليها وبشكل استفزازي حتى النهاية بدعم ايراني ملحوظ، ودون مراعاة لأبسط مبادىء الديموقراطية في الحكم والادارة.

ويسعى العبادي من خلال زيارته الى طهران نحو تحقيق تفاهم لا بد منه من أجل تحقيق علاقة ثابتة وراسخة بين الدولتين الجارتين. فعقدة ايران الاساسية في العراق كما يقول المراقبون، انها لا تقنع الا في علاقة معه على اساس الهيمنة على سياسته الداخلية والخارجية، وهو ما أدى بحسب هؤلاء الى الكارثة التي حلّت اخيرا في البلاد عبر سيطرة الارهاب على مساحات شاسعه منها.

لذلك فان العبادي يسعى بزيارته هذه لحلّ العقدة الايرانية وطمأنتها الى ان خسارتها حكومة حليفها المالكي في العراق بعد هزيمة الموصل على أيدي “داعش” لن تهدّد مصالحها الاستراتيجيّة في بلاده، فلن يكون العراق ممرّا ولا مقرّا للتآمر على ايران وحكمها الاسلامي، وهذا من شأنه ان يؤدي الى عودة التعاون الأمني والعسكري بين البلدين ولكن بمستوى معيّن سقفه محاربة الارهاب الداعشي وغيره والسعي الى ضربه وتطويقه بالتعاون مع المجتمع الدولي الذي بدأ بحملته العسكرية ضد الارهاب قبل شهر، وباشر بتنفيذها كغارات جويّة على سوريا والعراق ضد “داعش” والقاعدة وغيرهما من منظمات ارهابية.

هذه الطمأنه العراقية التي سوف يحملها العبادي الى الجار الايراني القوي ينتظر ان تقابلها طهران بتفهّم مصلحة العراق في اقامة علاقات متوازنة بينه وبين الدول العربية لا سيما المجاورة له وعلى رأسها السعودية ودول الخليج. لأنّ التوازن في تلك العلاقات خارجيا سوف ينعكس ايجابا على الساحة الداخلية العراقية ويساعد في عودة التآم الوحدة الوطنية.. ولا يخفى على احد أنّ القطيعة مع السعودية التي كانت في عهد حكومة المالكي، وتباهي ايران بتمتعها بدور الحليف الحيد القوي والنافذ لبغداد وبشكل استعراضي في بعض الأحيان، عكس بدوره مشهدا نافرا ولعب دورا سلبيا في تأجيج نار الفتنة المذهبية السنية الشيعية على الساحة العراقية.

بين نجاح العبادي أمس في اكمال نصاب الحكومة العراقية وانطلاق عملها في بناء الجيش والدولة، وبين زيارة مزمعه له الى ايران واخرى لاحقة يقوم بها رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الى السعودية، يبدو ان عجلة الحكومة العراقية لم تنطلق سريعا فحسب، وانما انطلقت في الاتجاه الصحيح أيضا.

السابق
ريفي: انا مع المقايضة للافراج عن الجنود
التالي
هيومن رايتس ووتش تدعو الكويت للكفّ عن سحب الجنسية من المعارضين