في ذكرى داني شمعون: الموت عادل أما القتل فظالم

داني شمعون
ينشر موقع جنوبية كلمة إبراهيم شمس الدين في الذكرى 24 لاستشهاد داني شمعون وعائلته الّتي ألقاها في المعهد الأنطوني، الحدث – بعبدا وأشاد فيها بمزايا الراحل مشيراً إلى ان الموت عادل أما القتل فظالم...

في ذكرى داني شمعون وهو شهيد وضحية، هو وأفراد عائلته، زوجته وولداه ضحايا الحرب اللبنانيّة الداخليّة في صورتها القاسية والقاتمة. هو شهيد للوطن وخسارة للوطن أيضاً لأنه وعائلته قُتلوا ظلماً، طمعاً بربحٍ وطمعاً بغلبةٍ لم تحقّق لأحدٍ من المتقاتلين.

ليس الموت ما يفجع أو يدمي الذاكرة، إنما هو القتل. الموت عادل أما القتل فظالم. الموت قانون إلهيٌّ أما القتل فهو جريمة المستبدّ والقاتل. والقتل من أبشع الجرائم عند الله والقتل الظالم لنفسٍ هو قَتلٌ للناس جميعاً.

داني شمعون وعائلته مدنيّون لبنانيّون، وأي مدنيّ يقتل في لبنان عدواناً هو تهديد لكل اللبنانيّين بالقتل الكليّ أو بقتل حقوقهم أو بعضها، الحقّ في التعبير والحقّ في الحريّة والحقّ في نظام آمنٍ وعادل.

لوليِّ القتيل المظلوم حقّ الاقتصاص بالدم، ولكن العفوَ والصّفْح أقرب وأصلح، لأن في العفوِ والصفحِ حياةً ومن أحيا نفساً فكأنّما أحيا الناس جميعاً.

ولهذا فإن ما اختارته أكثر عائلة وأهل داني شمعون، وفي مقدّمِهم السيّد دوري شمعون، هو الأصحّ والأقرب إلى الخلق الكريم الذي يبني إلفة ووحدة. فالحقدُ لا يبني وطناً، والثأر لا يكون مشروعَ دولة. وهذا ما قلناه لأخواننا الأجلاّء في العراق، وللجدد منهم أيضاً. وهذا ما قاله الشيخ شمس الدّين في التسعينات، قبل رحيله ببضعة سنوات، أن الحقدّ على صدّام لا يبني العراقّ الجديد، إنما الحبّ هو ما يبني العراق، وأنّ على العراقيين أن يتوحّدوا ويتعاونوا جميعاً فيما بينهم للمشاركةِ في بناءِ العراق حتى يكون دولةَ الجميع ووطنَ الجميع متساوين غير مظلومين، وغير ظالمين أيضاً.

لم يكن مطلوباً أبداً وليس مطلوباً أبداً أن يكونّ العراق دولةً شيعيّة ولا دولة دينيّة وفق أي نموذج قديم أو جديد، ولم يكن مطلوباً أبداً إقصاء أحدٍ أو معاقبته، أو الثأر من جماعة من المواطنين العراقيين. العراق للعراقييّن مسلمين ومسيحييّن وأكراداً وعرباً، الكلّ شركاء، الكلّ صاحب حق والكلّ صاحب فضل أيضاً.

إنّ الثأر غيرَ العاقلِ، والفئويّةَ الجاهلةَ القليلةَ البصر والبصيرة والتّدخل الخارجيّ أفسد الدولة في العراق، وأعادَ صناعةَ الخوفِ وأحبط مشروع بناء دولةٍ حديثة تقوم على الديمقراطية، وشتت الوطن وأنبت الفوضى، وأباح الجغرافيا مما سمح لغزاة مجرمين قلوبُهم أسودُ من لِباسِهم، وعقولُهم أجفُّ من نِعالهم، وأيديهم دبقة بالدم، دمهم هم ودم غيرهم من المواطنين المدنيين، عراقيين وغير عراقيين مسلمين ومسيحيين، من الذين أُخرجوا من ديارهم في الموصل ونينوى وغيرها، والذين قُتلوا أو هُجروا لأنّهم مسلمون أو لأنهم مسيحيّون قلوبهم سمحة ووطنيتهم منفتحة.

لا يحتاج العراق تحالفاً خارجياً بل تحالفاً ووحدة داخلية. يحتاج إلى عليٍّ عراقيٍّ ذي بصيرةٍ يضع يده َبيضاءَ في يدٍ مسالمةٍ لابن خطّابٍ عراقيٍّ ذي بصيرةٍ أيضاً، يحمي ظهره من سيف مسموم، ويعملان معاً مُوَحَّدين ومُوَحِّدين مع كلّ العراق والعراقيين، وخاصة الشّمال منه، ولا يسمحان لأحد أن ينافق بينهما، من الداخل أو الخارج، المسلم أو غير المسلم، القريب أو البعيد.

اخترت أن أُطِلَّ من مجرى السيل والطوفان، من العراق، لأنه وطنٌ أحبه، أن أُطِلَّ على وطني لبنان الذي أنتمي إليه، وهو هويتي وحتى إيماني هو، الذي أُحاسَبُ عليه والذي أُحاسِبُ عليه.

إن المواطنين اللبنانيين إذا تُركوا بدون تخويف، هم في حال وحدة أصدق وأقوى من وحدة مفترضة أو مدعاة بين كثير من أصحاب السلطة في لبنان. لم يعد لبنان بلداً منفتحاً بل صار مفتوحاً ومُشَرَعاً على كل الخارج، وخاصة إسرائيل، بأطماعه وتآمره وحسده وأمواله وسلاحه، كُلٌ يريد حصة، واللبنانيون أصحاب الوطن والحق وملح الأرض، لا يحصلون على أي حصة بل تُنتزع منهم حقوقهم في حياة آمنة ووطنٍ معافى، ودولةٍ كريمة، ومستشفى مفتوح الأبواب، ومدرسةٍ تهب علماً ولا تبيع مخدرات، وادارةٍ لمامة تخدِم ولا تُستخدم، وفرصة عملٍ يُحصل عليها تحت الشمس، خارج أقبية سوق الرقيق السياسي، وبيتٍ آمن لا يُسدد ثَمنه الأولادُ والأحفاد.

هذا كله ممكن الحصول في وطن تام وصحيح، والوطن التام يقوم على ثلاثية حتمية، ثلاثية الأرض والشعب والدولة.

أما الشعب فموجود، واللبنانيون في كل لبنان، شرفاء ووطنيين يستحقون كل خير، في شمال لبنان وكل مدنه وقراه، وفي الجنوب في كل مداه، وفي الجبل بكل قممه وهضابه وفي ساحله كله وفي جوهرته وعاصمته بيروت التي تعصم الجميع فلا تدعوا أحداً يستبيحها.

أما الأرض فهي موجودة وهي شرعية ومعروفة، تحتاج إلى أن تكون ذات حرمة، وأن تكون حدودها محددة وواضحة. دعوا الجيش يحميها من العدو ومن كل العدوان، فهو لهذا خُلق ووُجد، وأفراده لهذه المهمة الكبرى تطوعوا ونذروا أنفسهم وحياتهم حتى. ادعموا جيشكم ولا تتشاطروا عليه، واحفظوه مؤسسة للحزم وليس خيمة للإغواء السياسي، ومن يعتقد أنه لا يحتاجه اليوم فسيحتاجه غداً. وقد أحتاجه اليوم من اعتقد بالأمس أنه غني من دونه.

أما الدولة فهي الجامع والموحد، وهي المرجع والممثلُ والعنوان. عنوان لكل لبناني وعنوان الهوية اللبنانية نفسها. لا مواطنة بدون دولة تامة وبدون دولة عادلة وبدون دولة ديمقراطية. الدولة أصبحت متلاشية لأنها تُفترس من داخلها ولأنها تُمنع من أن تعمل، لا بل تُفسد حتى لا تعمل، وهي تُمنع من أن تُجدد نفسها وتُمنع من أن تُحاسِب، وأن تُحاسَب عبر الانتخابات.

منع الناس من الانتخاب هو إنهاء للدولة وبنيتها وسرقة حق الناس.

التمديد لمجلس النواب هو توهين للدولة وليس حفظاً لها وهو احتيال موصوف.

وحتى تتم جريمة اتلاف الدولة، مُنع انتخابُ رئيسها.

الرئيس موجود ولكنه مخطوف، الرئيس موجود ولكنه أسير، كأسرانا من الجيش وقوى الأمن، واستمرارُ خطفِ الرئيسِ وأسرهِ يهدد حياة الرئاسة وحياة كل أسير لأنه يهدد استمرار الدولة التي تحمي الجميع.

أنا لا أفهم كيف يجوز أن يفترض أنه يمكن أن تعمل الدولة بشكل صحيح بدون حكومة وأن يمشي الحال بدون رئيس للجمهورية، ولكن لا يمكن أن تستمر الدولةُ بدون مجلس نواب، كأنه الرب الذي لا يموت والصنم الذي يجب أن يُعبد، هُبَلُ الأكبر. يدعي أنه سيدُ نفسهِ وهو لا يملك نفسه، والسيادةُ مخروقة بعدم انتخاب رئيس للجمهورية من شبعا إلى بريتال.

لا أخاف من مؤتمر تأسيسي ولا يخيفنكن أحد. فالأساس موجود والتأسيس قد تم، وهو في قلوب اللبنانيين ووحدتهم ووطنيتهم وهم كلهم شرفاء وكرام ويستحقون أن يعاملوا باحترام، وأن يرى زعماؤهم أنهم موجودون.

السابق
مآسي طبيّة في مخيّم عين الحلوة
التالي
توضيح حول «تضارب بين الأمن في مطار بيروت بسبب داعش وحزب الله»