لئلا تتحوّل الحرب ضد داعش فيتنام ثانية

عندما حدد الرئيس الاميركي باراك اوباما مدة الحرب التي شنها على “داعش” بثلاث سنوات، إنما كان يحيل تبعاتها الى خلفه الرئيس المقبل. وبما أن ولايته الثانية تنتهي في 20 كانون الثاني2017، فان خطة معالجة تهديدات “داعش” ستشغله طوال سنتين تقريباً قبل مغادرته البيت الأبيض.

توقع أوباما أن تدخل في عملية تشكيل التحالف الدولي قوى جديدة يهمها المشاركة في إرساء دعائم عالم خالٍ من النزاعات الاقليمية والقومية والطائفية والعشائرية.
من هنا يرى المحللون أن الولايات المتحدة ستركز في حربها المعلنة على إستقطاب أكبر عدد من الدول الشرعية في سبيل تدمير دولة “داعش” ودحر العناصر المنتمية الى “القاعدة”، باعتبارها الحاضنة الأولى لكل منظمات الارهاب.
وتتوقع واشنطن قبل نهاية هذه السنة إجتذاب أكبر عدد من الدول المعرّضة لاضطرابات سياسية واجتماعية، بسبب تدخل “داعش” في شؤونها المحلية. وقد أعلن رئيس وزراء اوستراليا عن رغبته في المشاركة بالجهود العسكرية الهادفة الى إبعاد عناصر الفوضى والاجرام عن بلاده الآمنة. ومثله قد تفعل وزارة الداخلية المغربية بعد إكتشاف خلية إرهابية في مدينة “فاس” يتزعمها أستاذ إستطاع تجنيد عناصر لمصلحة “داعش.”
وكان العسكريون الاميركيون قد دشنوا عمليات القصف بتدمير المبنى المركزي لقيادة “داعش” في سوريا. واعتُبِرَت تلك العملية بمثابة مقدمة مروعة لخطاب اوباما الذي ساوى فيه بين إرهاب الارهابيين و”وحشية” نظام بشار الأسد.
ورأى المراقبون في ذلك الوصف تجاهلاً للتنسيق الذي دعا اليه وزير خارجية سوريا وليد المعلم. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل مدة أعلن إستعداد بلاده للتشاور مع الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الاقليمية، من أجل مكافحة الارهاب. ولكنه اشترط قبل اختراق الأجواء السورية إجراء تنسيق مع دمشق حفاظاً على السيادة الوطنية.
القيادة الاميركية بررت تجاهلها الشرط السوري بالقول إن هذا الجزء من البلاد يخضع لسلطة الارهابيين، وإن الجيش النظامي فشل في تحريره. وتُقدّر مساحة هذا الجزء المحتل داخل سوريا والعراق بحجم بريطانيا.
وفي حديث أجراه وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل مع الاعلاميين، قال: “تجاوز تنظيم “داعش” الوصف القائل بأنه قوة إرهابية فقط. والسبب أنه نجح في عملية الدمج بين الايديولوجيا المتزمتة والبراعة العسكرية، التكتيكية والاستراتيجية المتطورة. إضافة الى هذا، فان عناصره تحكم مدناً وتجمع الضرائب من المواطنين، وتحصل على 3 ملايين دولار يومياً من بيع النفط. لذلك يجب أن نستعد لكل المفاجآت”.
ومع أن “داعش” تُعتبر بكل المقاييس تنظيماً إرهابياً لا يخضع للقوانين، إلا أنه من جهة أخرى يسيطر على البنى التحتية في المواقع التي يحتلها مثل محطات توليد الكهرباء وحقول النفط. وتقدر ايراداته التجارية والضرائب الفاحشة بأكثر من مليار دولار سنوياً.
لهذا السبب وسواه باشرت قوات التحالف هذا الأسبوع في ضرب منشآت النفط في سوريا من أجل تعطيلها، وحرمان “داعش” من الطاقة المطلوبة لآلياته العسكرية والمدنية.
ويسيطر تنظيم “داعش” حالياً على 40 في المئة من النفط الخام الذي يتم إنتاجه يومياً من منطقة “دير الزور” السورية.
وذكر في تقرير لشبكة “سي إن إن” أن التنظيم يبيع النفط عبر تجار أتراك في السوق السوداء بسعر 40 دولاراً للبرميل الواحد. وهو يملك قافلة شاحنات مؤلفة من مئتي شاحنة مخصصة لهذا الغرض.
وفي بيان صدر عن وكالة الاستخبارات المركزية إن تنظيم الدولة الاسلامية يضم نحواً من 31 ألف مقاتل موزعين بين سوريا والعراق.
وأعرب عدد من الزعماء الاوروبيين عن قلقهم من إنخراط آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش”. والسبب، أنهم يحملون جوازات سفر غربية، الأمر الذي يسهل لهم قرار العودة الى بلدانهم وتشكيل خلايا خطرة قادرة على تنفيذ هجمات محلية. وهذا ما دفع حكومات الدانمرك والمانيا وفرنسا وبلجيكا الى إصدار قوانين تمنع “شرطة الشريعة” من تطبيق أنظمتها الخاصة على المواطنين المسلمين. لهذا طالب وزير العدل الالماني بضرورة إحترام النظام القائم في البلاد، بدلاً من تطبيق نظام آخر.
والثابت، بعد مراجعة مواقف الدول الأجنبية من إرهاب “داعش” و”القاعدة”، أن هناك إجماعاً على رفض هذه الظاهرة التي مثلت العنف بأقصى زخمه في حادث هجوم “القاعدة” على مركز التجارة العالمية في نيويورك سنة 2001، علماً أن مستوى تسليح “داعش” هو أفضل… وتمويله أكبر… وملاذه الآمن أوسع.
يُجمع المحللون على القول إن الخطة الاميركية تعاني من وجود ثغرتين وسيعتين يصعب ترميمهما: الأولى – إعلان مدة الحرب من قبل واشنطن، بطريقة غامضة ومقلقة تبدأ بثلاث سنوات مفتوحة على المجهول… ومثل هذا الغموض يعطي “داعش” وحلفاءه فرصة إستغلال الوقت الطويل لاجتذاب مناصرين، وإستقبال ثوار المنظمات المتطرفة في الشرق الأوسط وافريقيا.
ثانياً – غياب خطة سياسية وأمنية بديلة تسمح للدول المشاركة في الحرب باعادة ترتيب الوضع الاقليمي بشكل مستقر وناجز.
أما الأخطاء التي إرتكبها تنظيم “داعش” فكثيرة، أهمها: إشهار سلاح قطع رؤوس الأسرى والمحتجزين كنوع من التحدي للدول الكبرى والصغرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا… ولبنان. مع أن هذا السلاح لم يرعب أحداً، إلا أن مجرد تشكيل تحالف مؤلف من أربعين دولة لمحاربة نظام غير شرعي… هو، في نظر قيادة “داعش”، نصر يستحق المجازفة والتهور!
ثانياً – حرص “داعش” على نقل نشاطه من الشرق الى الغرب. أي من العراق الى الجزء السوري المتاخم لحدود تركيا. وقضت هذه الخطوة بضرورة التوغل العميق داخل لبنان حيث تضعف قدرة التحالف على التدخل العسكري المباشر. وقد شجعت هذه المغامرة “جبهة النصرة” على التدخل هي أيضاً في منطقة جرود عرسال. وكان من نتائجها ذبح الجنديين اللبنانيين علي السيد وعباس مدلج، واحتجاز تسعة جنود لدى “داعش” وعشرين آخرين لدى “النصرة”.
ثالثاً – خطأ الرهان على إضعاف الجبهة السورية، عبر العمل على إرغام “حزب الله” لسحب جزء كبير من قواته في سوريا، بغرض حماية الوضع الداخلي في لبنان.
ولكن هذا الأمر لم يتحقق، بدليل أن “حزب الله” زاد من عدد قواته في سوريا، وترك للجيش النظامي حرية الدفاع عن جبهته الداخلية.
وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن الانتقاد القاسي الذي وجهه الرئيس اوباما في خطابه الى الرئيس الأسد كان موجهاً أيضاً الى الرئيس بوتين. وهو يشير الى الشرط الذي عرضه اوباما كثمن للعزوف عن مهاجمة سوريا، لم يتحقق منه إلا الجانب المتعلق بتدمير الأسلحة الكيميائية. أما بالنسبة الى دور المعارضة المعتدلة، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية والعراقية والفلسطينية، فان النظام لم يبدل نهجه السابق.
من هنا يرى المراقبون أن الرد على أزمة اوكرانيا قد يكون بالعمل على إسقاط شرعية الأسد بواسطة حشد دول التحالف ضده.
وربما زاد بوتين من تعاونه مع ايران بغرض منح “داعش” غطاء عسكرياً يطيل من فترة صموده ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل من هذه الحرب نسخة حديثة من غرق القوات الاميركية في مستنقع فيتنام!

http://newspaper.annahar.com/article/175063

السابق
جبهة النصرة تتوعد دول التحالف بالرد في جميع انحاء العالم
التالي
المعتصمون عند نقطة ضهر البيدر فتحوا الطريق