الكهرباء تسرق نصف الحدّ الأدنى من أجور لبنان

كهرباء لبنان
يجد المواطن نفسه في بلد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيه 675 ألف ليرة لبنانية، يدفع ما يقارب الـ300 ألف للحصول على الكهرباء، أي نصف الحد الأدنى. وهذا عدا عن المياه والخدمات الأخرى، فمن أين يعيش المواطن العادي؟

في ظل هذه الأيام العصيبة والمتوترة في المنطقة كافة، وفي ظل الفوضى العارمة المسيطرة على لبنان في غياب رأس الدولة وظلّها، والمجلس النيابي، ومجلس الوزراء، تبقى روايات الكهرباء من أكثر الأفلام الأسطورية يتابعها المواطن اللبناني لأنه أولاً وأخيراً بحاجة إليها لينير بعضاً من حياته المملّة والمتعبة على جميع الأصعدة.

فالكهرباء ستبقى الشغل الشاغل على الرغم من عدم قدرة المواطن على التظاهر في سبيل شمعة تنير دربه المتعفّن، والسبب يعود إلى الاصطفاف السياسي والطائفي خلف الزعيم المبجّل، ما يمنع المواطنين من إثارة أي اعتراض على سلطته الطائفية والتي هو أصلاً أتى بها، ونصبّها آمراً عليه طوال العمر، فلا يقوى على الاعتراض لأنّه بفعل التركيبة السياسية المهترئة، يتّبع القول القائل: “لا تتكلم نحن منتكلّم عنّك”.

وفي ظل انقطاع الكهرباء وغرق لبنان في العتمة، يترتّب على المواطن أعباءً ماديّة إضافية هو بغنى عنها. ويفوق مصروف الكهرباء – أضف إليه الآن مصروف المياه – في لبنان المعدّل العاديّ في كلّ الدول الأخرى. وللاستفسار عن الموضوع، توجّهنا إلى محمد شمس الدين، الخبير الإحصائي في “الدولية للمعلومات”، الذي فصّل لنا بعض أرقام مصروف الطاقة للمواطن حيث قال: إن تعرفة الكهرباء 35 ل.ل. لأول 100 ميغاوات أي ما يعادل 3500 ل.ل. أما ثاني 200 ميغاوات فيبلغ 55 ل.ل. ما يعادل 11000 ل.ل.. ومن ثم رابع 100 ميغاوات فتبلغ 80 ل.ل. أي ما يعادل 8000 ل.ل. وخامس 100 ميغاوات فتبلغ 120 ل.ل. أي 12000 ل.ل. وبهذا فإن المواطن العادي والذي لا يملك المكيّفات مثلاً فحدوده في الصرف 500 ميغاوات أي ما يعادل 34500 ل.ل. إضافة إلى 5000 ل.ل. بدل تأهيل و3450 ضريبة قيمة المضافة، فيصل المجموع حوالى 43000 ل.ل. شهرياً. وهذه التسعيرات هي مسجلّة منذ العام 1994”.
محمد شمس الدين
ويلحظ شمس الدين أنّ “أيّ مصروف زيادة عن 500 ميغاوات يصبح الكيلو ميغاوات بـ200 ل.ل. وتبدأ المبالغ في الارتفاع كلما كبّر المصروف والمنزل. حيث يصل مصروف الطاقة في لبنان إلى حوالى 2500 ميغاوات، مع أنّه في حاجة إلى 1500 ميغاوات فقط، علماً أنّ التعرفة مدعومة من الدولة”.

وبالرغم من ذلك، فإنّ الدولة تدفع سنوياً للطاقة حوالى 2 مليار دولار أميركي، وهذا يرجع إلى العجز الذي تقع فيه الدولة من خلال التعليق والسرقات كما يقول شمس الدين، ويضيف شمس الدين: “وفي حال دفع المواطنون المبالغ المتوجبة عليهم فلن يسدوا عجز الدولة الكهربائي، وهذا يعود إلى انخفاض تسعيرة التعرفة الكهربائية”.
وعن الحلول التي تؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية يقول شمس الدين: “كما أقول دائماً، فإنّ الدولة يلزمها فقط يومين لتحسين التغذية، وذلك من خلال زيادة التعرفة، وجباية كافة الفواتير، إضافة إلى منع أي تعليق على الشبكات والسرقات في كافة المناطق اللبنانية. فبهذه الطريقة لا أعتقد أن المواطنين سيصرفون أكثر من 1500 ميغاوات. وطبعاً هذا يرجع إلى قرار دولة – مجلس الوزراء الغائب كلياً عن السمع، لغاية في نفس يعقوب، ولهم مآرب أخرى”.

وفي غياب “كهرباء الدولة” يصل المصروف إلى 200 دولار أميركي يدفعها كلّ منزل، تقريبا، إلى أصحاب المولّدات الكهربائية، ويكاد كلّ بيت يمدّ “اشتراكاً” لا تقل تعرفته الأساسية عن 50 دولار أميركي لطاقة الخمسة أمبير، بالإضافة إلى التعرفة الإضافية حين يتجاوز انقطاع التيار الكهربائي الوقت المعهود، كما الحال الآن. وحتّى المواطنون الّذي أعفوا أنفسهم من الاشتراك يدفعون ثمن المازوت للجنة البناية مثلاً، لتشغيل المولّد الكهربائي فيها، ويصل المبلغ أيضاً إلى معدّل 200 دولار أميركي شهريا غير الفاتورة.

وبهذا، يجد المواطن نفسه في بلد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيه 675 ألف ليرة لبنانية يدفع ما يقارب الـ300 ألف للحصول على الكهرباء، أي نصف الحد الأدنى. وهذا عدا عن المياه والخدمات الأخرى، فمن أين يأتي بالمالي ليعيش المواطن العادي؟

كلّ مواطن في لبنان ليس عنده مانع في ارتفاع التسعيرة ومنع التعليق والسرقات، في سبيل ساعات طاقة زيادة يومية. لكن هل من مصلحة الطاقم السياسي البالي إعطاءنا بعض من حقوقنا، للعيش كإنسان في لبنان، أو حتى لنرى بعضنا البعض في السهرة الليلية لمنع بعض أفراد العائلة من الدوس على رجل أحد آخر، أو سحب الطاولات وراءه فيما يمشي أو اصطدامه في الحائط أو خوف الولد الصغير من القيام حتّى ليشرب ليلاً.

السابق
محكمة الجزاء الفرنسية دانت جوني عبدو بدعوى السيد
التالي
هكذا قضى حزب الله والنظام السوري على «جمّول»