أين الفتوى بتحريم التعرّض للأقليات؟

أشعر بخجل كمسلم لما يتعرض له مسيحيو العراق وغيرهم من الأقليات من اضطهاد باسم الدين الإسلامي. لكني أشعر بخجل أكبر لسكوت المرجعيات الدينية الإسلامية عن تلك الهجمة غير المسبوقة على الأقليات في العالم العربي.
“علماء” المسلمون الذين يتبارون في تحري هلال شهر رمضان وشعبان، والذين يصدرون الفتاوى تلو الفتاوى عن الحوريات اللواتي ينتظرن الانتحاريين في الجنة، لم يجدوا أن من واجبهم الديني – قبل الأخلاقي – إصدار فتوى تحرم التعدي على الأقليات وعلى حقوقهم وممتلكاتهم.
الأسبوع الماضي اجتاحت عصابة ترفع راية الإسلام بلدة عرسال واصاب مسيحيو لبنان الخوف الشديد، لم يكلف أحداً من “علماء” المسلمين نفسه إصدار فتوى تطمئن مسيحيي لبنان.
لكن هذين التجاهل وعدم الاكتراث لا يدلان على عدم مبالاة فحسب، بل يدلان أيضاً على جهل مخيف من “علماء” الدين الإسلامي بتاريخ دينهم وأيضاً بتعاليمه.
هل نسي هؤلاء كيف أن النبي الكريم ارسل أتباعه في فجر الإسلام إلى ملك الحبشة المسيحي طلباً للحماية من أذى المشركين؟ وكيف أن هؤلاء المسلمين الأوائل وجدوا عند ملك الحبشة المسيحي كل رعاية وحرية لممارسة طقوس دينهم وشعائره؟
لكن الموضوع ينطوي على أكثر من عرفان بالجميل. ذلك أن حماية الأقليات هي إحدى أهم ركائز الدين الحنيف وتعاليمه.
أول فتنة في الإسلام وقعت بسبب هذا الموضوع بالذات. وبيان ذلك أنه عندما قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على يد رجل يُدعى أبو لؤلؤة، قام نجل عمر، عبيد الله، بقتل عدد من أفراد عائلة قاتل أبيه. القاتل وعائلته لم يكونوا من المسلمين، بل كانوا من المجوس عبدة النار، ومع ذلك هبّ أهل المدينة المسلمين مطالبين بالاقتصاص من ابن عمر لأنه تعدى على حياة أشخاص أبرياء لا علاقة لهم بمقتل الخليفة، وأيضاً لكونهم من الأقليات الدينية الواجب حمايتها طبقاً للشرع الإسلامي.
اندلعت نيران الثورة على خليفة عمر، عثمان، لأنه أصدر عفواً عن ابن عمر، ودفع من ماله الخاص دية القتلى المجوس، لم يرضَ أكثر المسلمين بذلك واتهموا عثمان بحماية قاتل المجوس وطالبوا بإقالته، وكانت هذه بداية الفتنة بين المسلمين، والتي لا تزال معنا حتى يومنا هذا بأوجه أخرى.
إنه لأمر مؤسف أن نداء بطاركة الشرق الذي وجهوه أخيراً لم يجد الصدى اللازم عند علماء الدين الإسلامي حتى الآن، كل ما طلبه المطارنة هو إصدار فتوى تحرم التعدي على الأقليات والفتوى المطلوبة هي من صميم تعاليم الدين الإسلامي.

 

السابق
قرى العرقوب ومرجعيون: تخوف من ’عرسال جديدة’
التالي
العبادي موضع ترحيب السعودية وإيران