الجنرال عون..يقاتل في سوريا

عندما طرح الجنرال ميشال عون قبل يومين، وفي ذروة معركة عرسال، فكرة التعاون مع الدولة السورية استنادا الى معاهدة الاخوة بين البلدين، لمواجهة الارهابيين الذين انتهكوا الحدود المشتركة وهاجموا مواقع للجيش وقوى الامن الداخلي اللبناني، فانه لم يكن يعبث بأمن البلد ولا بتوازناته الدقيقة التي لا تحتمل مثل هذه المغامرة التي يمكن اختصارها بالدعوة الى توريط الدولة اللبنانية ومؤسساتها في الحرب الاهلية في سوريا، وفي نصرة نظام الرئيس بشار الاسد.. بل كان في منتهى الجدية والخطورة.
صحيح ان الجنرال عون اخطأ عندما ذكر المادة الرابعة التي تجيز الدخول اللبناني الرسمي في تلك الحرب، بينما هي المادة الثالثة من تلك المعاهدة التي وقعها الراحلان إلياس الهراوي وحافظ الاسد والتي تنص على ان أمن لبنان من أمن سوريا والعكس.. لكنه لم يخطىء ابداً في وضع معركة عرسال التي لم تنته ولن تنتهي في القريب العاجل، في سياقها المحدد سلفا،الذي هللت له دمشق على الفور ورقص على انغامه عدد من حلفائها اللبنانيين الذين يحلمون برؤية الدبابات السورية تعبر الحدود مجددا نحو الاراضي اللبنانية.
بغض النظر عن إلتباسات معركة عرسال، التي لم يتضح حتى الان كيف فتحت ومتى تقفل، اذا كان لها ان تقفل فعلا، فان موقف الجنرال الذي يستخف بمعارضي النظام السوري، اللبنانيين والسوريين على حد سواء، لا يناقض توجهه العلني المؤيد لذلك النظام، لكنه يدفع ذلك التأييد الى حد الأقصى والأخطر: من جهة، ثمة اقتراح بالتعاون العسكري بين جيشي البلدين، وهو ما يهدد- في الحد الادنى- بانشقاق عسكري لبناني قد يكون اسوأ وأخطر من الانشقاق السوري الراهن. ومن جهة أخرى، ثمة دعوة الى مواجهة رسمية لبنانية مفتوحة مع أخطر الشبكات الارهابية الاسلامية التي سبق ان هزمت جيوش دول عظمى، وأخرجتها تباعاً من ديار المسلمين.
لم تكن زلة لسان من الجنرال. كان يعي ما يقول، ويحسب ان جمهوره لن يمانع الاقدام على مثل هذه الخطوة، خطوة التعاون بين الجيشين، الذي قدمت معركة عرسال، بالمناسبة، دلائل على وجوده اكثر من اي وقت مضى، وفي اكثر من بقعة من الحدود المشتركة. لعل الجنرال كان يفترض ان الأمر لا يعدو كونه تشريعا لواقع قائم، او جهراً بحقيقة ثابتة، تتنافى مع السياسة الرسمية المعلنة، لكنها تعبر عن حاجة الدولتين ومؤسساتهما العسكرية والامنية الى تبادل الخدمات والمعلومات في الصراع مع شبكات الارهاب وخلاياه.
بناء على هذا المنطق، يمكن غض الطرف عن ذلك التنسيق، وإن كان الاجدى ربما لأمن لبنان هو التواصل بل التفاوض وحتى التفاهم مع المعارضة السورية على محاصرة تلك التنظيمات الارهابية وعزلها وربما التوصل الى منعها من دخول الاراضي اللبنانية، بدلا من إستفزازها والدخول في مواجهة خاسرة أو باهظة الثمن معها.. وفي ذلك يكون لبنان مثله مثل العديد من الدول العربية والاجنبية التي سبق ان اعتمدت مثل هذا الخيار النبيه حتى مع تنظيم القاعدة نفسه وتمكنت من حماية نفسها وعواصمها وأنظمتها وحكامها من ضرباته الموجعة، ونجحت في عقد صفقات معه حول إسترداد العشرات من رهائنها أحياء سالمين!
في اقتراح عون اعتراف ضمني متأخر قليلا بان مساهمة حزب الله في حرب النظام السوري لم تعد تكفي لا في حفظ ذلك النظام ولا في الدفاع عن لبنان.. مع ان ثمة خيارات عديدة يمكن اللجوء اليها وهي الاحزاب والتيارات والميليشيات العديدة الموالية لدمشق التي لا يزال يمكن- بل يجب- زجها في تلك الحرب المصيرية، قبل طرح التعاون العسكري بين النظامين، الذي يعادل الان وفي أقل تقدير التضحية بالجيش اللبناني ومعه قوى الامن الداخلي.
لم يكن الجنرال يمزح، كان، للاسف، يعبر بدقة عن موقف جمهور لم يتعلم شيئا من درس حزيران العام 1976.

السابق
هكذا تُساعد السعوديّة لبنان
التالي
الإسرائيليون عرضوا إطلاق 15 أسيراً وجثامين 8 ضحايا