النظام في تركيا يتغيّر ؟

تعدّ تركيا لانتخاب رئيس الجمهورية في 10 و14 آب (اغسطس) القادم انتخاباً مباشراً في عملية اقتراع تنظم على جولتين. وعلى رغم ان هذه الانتخابات هي الأولى من نوعها، لا يعتدّ بها. فقــــانون الانتخابات يقصر المرشحين على من ينال 20 توقيعاً من نواب الأحزاب الممثلة في البرلمان، فيقصي المرشحين المتحــــدرين من حركات سياسية ومدنية خارج البرلمان. ولذا، يقتصـــر عدد المرشحين الذين حازوا التوقيعات المطلوبة على ثلاثة. ولا ترتجى «تصفية» المرشحين في الجولة الثانية من الانتخابات. فالنتائج شبه محسومة في الجولة الأولى.
وصلاحيات الرئيس رمزية، فهو ليس رئيس السلطة التنفيذية في النظام البرلماني التركي. وأخفق مشروع التزام دستور جديد يعبّد الطريق أمام بروز نظام رئاسي. والرئيس المقبل، على رغم مشروعيته الانتخابية، لا يملك صلاحيات واسعة تسوّغها شعبيته. والنتائج السياسية المترتبة على هذه التجربة الاختبارية الهجينة (الخلط بين نظام برلماني ونظام رئاسي)، مبهمة.
ولم يخف أن المرشح الأبرز هو رجب طيب أردوغان، على رغم أن هذا الأخير لم يسارع الى اعلان ترشحه وانتظر الى أول الشهر الجاري ليعلن خطوته هذه في احتفال صاخب. ويصف أردوغان نفسه بالمسلم الديموقراطي. ولكن معارضيه يرون أن الصفة الأولى تغلب على الثانية، وأنه يميل اكثر فأكثر الى التشـــدد. ويبدو ان نصف الناخبين ينظر بعين التسامح الى تجاوزاته السياسية. وهو يرمي الى انتخابه في الجولة الأولى وحيازة أكثر من 55 في المئة من الأصوات. فيرتقي الى مرتبـــة ممثل «الإرادة الوطنية» الأعظم. وأعلن رئيس الوزراء الطـــامح الى الرئاسة أنه سيتولى مقاليد السلطة التنفيذية بعــــد انتخابه رئيساً. ويتوقع أنه يعد لتعديل الدستور والانتقال الى نظام رئاسي إثر الانتخابات التشريعية في 2015. وتحالف حزب الشعب الجمهوري (كمالي علماني وينتسب اليه بعض الاشتراكيين الديموقراطيين) وحزب الحركة القومية (تركي- إسلامي) في مواجهة أردوغان، ورصّت لحمتهما لازمة «كل شيء إلا أردوغان»، وانتدبا مرشحاً واحداً لتمثيلهما في السباق الرئاسي، : إكمال الدين احسان أوغلو، الأكاديمي المحافظ وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي بين 2004 و2013. وترشيحه من غير الاحتكام الى قاعدة الحزبين أثار الاستياء في بعض اوساط حزب الشعب الجمهوري. ويلوّح الجناح الكمالي والعلماني في الحزب هذا بالانشقاق. وتفادى اكمال الدين إحسان أوغلو الى وقت قريب، الأضواء، وعامة الأتراك لا تعرفه. ولم يسبق أن شارك في حملة انتخابية.
وفي مطلع حملته الانتخابية، التزم نبرة هادئة ومال الى الصمت. فهو يسعى الى التوفيق بين اصوات متناقضة. وفي شهر واحد، يفترض به إقناع العلمانيين في حزب الشعب الجـــمهوري بأنه بعيد من التشدد الديني، والعلويين من انصار الحـزب هذا بأن كفة انتمائه السنّي لا تغلب على سياسته، والأكراد بأنه لا يعادي ادارة ذاتية في كردستان، وإقناع المحافظين، خزّان حزب «العدالة والتنمية»، بأنه لا يغالي في العلمانية. وخلاصة القول إن الأمور تقتضي ان يثبت احسان أوغلو ما ليس هو عليه أكثر مما تقضي أن يثبت ما هو عليه.
وثمة مرشح ثالث هو صلاح الدين دميرطاش، السياسي الشاب (41 سنة) المتحدر من الحركة السياسية الكردية وأحد قياديّي حزب الشعوب الديموقراطي (منبر يجمع بين حزب الإدارة الذاتية الكردي واليسار الليبرالي وشطر من اليسار الاشتراكي، وشرائح صغيرة من المجتمع المدني الناشطة في حركة غيزي بارك في حزيران (يونيو) 2013). فالحركة الكردية تقدم اليوم على ما بادرت اليه في آذار (مارس) الماضي حين تحالفت مع ناشطين ديموقراطيين من اجل تغيير صورتها كحركة قومية والخروج من قوقعة الإتنية. ولا يستخف بمترتبات انفتاح الحركة الكردية على الآخرين. فهو الجسر الى تجاوز عتبة الـ 10 في المئة التي تنتصب سداً منيعاً في وجههم وقد تحول دون دخولهم البرلمان في انتخابات 2015. وعلى دميرطاش إقناع الأتراك انه ليس ألعوبة في يد عبدالله اوجلان، واستمالة الأكراد الذين يقبلون على الاقتراع لحزب العدالة والتنمية. وإذا لم ينل دميرطاش اكثر من 6 في المئة من الأصوات، قد يميل الأكراد الى التغريد خارج السرب التركي والانكفاء على كردستان في وقت ينحو الأكراد في سورية والعراق نحو انشاء دولة مستقلة.
وفي سياق هذا الجانب من الحياة السياسية التركية المركبة والمعقدة، تدور رحى «حرب اهلية» بين حزب العدالة والتنمية وحركة غولن، وتوجه تهم الفساد الى اعضاء في الحكومة. وفي 24 آب (اغسطس) المقبل، تميط تركيا جديدة اللثام عن وجهها، وتطل على جيرانها وشركائها الأوروبيين بحلّة جديدة.

السابق
رفع الحصار الاسرائيلي مقابل نزع ترسانة ’حماس’
التالي
استدراج وحدة اسرائيلية من 20 جندياً لمنزل مفخخ