في مديح الخوف… من إسرائيل

الاسرائيليون يختبئون
الصور التي راح "متحمّسون" لدعم غزّة يتشاركونها بفخر، تلك التي تظهر إسرائيليين خائفين ومذعورين من صواريخ المقاومة الفلسطينية، لا أعرف بالتحديد ما المقصود منها؟ فهل من فقدوا أخا أو أمّا أو طفلا ستشفي غليلهم صور الإسرائيليين الخائفين؟ هل خوفهم مقابل جثثنا؟ هل هذا هو الانتصار؟ أليست تلك الهزيمة الكاملة؟ يخاف الإسرائيليون؟ نعم، لأنّهم ينظرون أمامهم فيرون أيّاما جميلة يريدون أن يعيشوها. وينعمون بلحظات ما قبل "المصيبة"، تلك اللحظات التي يكون الواحد خائفا خلالها، مما نحن فيه كلّ يوم.

الصور التي راح “متحمّسون” لدعم غزّة يتشاركونها بفخر، تلك التي تظهر إسرائيليين خائفين ومذعورين من صواريخ المقاومة الفلسطينية، لا أعرف بالتحديد ما المقصود منها؟ فهل من فقدوا أخا أو أمّا أو طفلا ستشفي غليلهم صور الإسرائيليين الخائفين؟ هل خوفهم مقابل جثثنا؟ هل هذا هو الانتصار؟ أليست تلك الهزيمة الكاملة؟
يخاف الإسرائيليون؟ نعم، لأنّهم ينظرون أمامهم فيرون أيّاما جميلة يريدون أن يعيشوها. وينعمون بلحظات ما قبل “المصيبة”، تلك اللحظات التي يكون الواحد خائفا خلالها، مما نحن فيه كلّ يوم.

وأنا أخاف على نفسي. أرتجف خوفا أمام أفلام الرعب. أخاف أيضا إذا شعرت بخيانة طفيفة حين تنظر زوجتي صوب رجل آخر. وأخاف إذا بكى طفلي. وأخاف كثيرا حين أسمع أصوات رصاص، أو حين أشعر بهزّة تشبه الهزّات التي تلي تفجير ما أو اغتيال أحد.
الخوف ليس فقط طبيعة بشرية، بل هو أحد ركائز “غريزة الحياة”. لا استمرار بلا خوف. الطفل يخاف من النار، لئلا يحترق. والخوف دليل إلى أنّ “على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة”.
نخاف على أحبّائنا، على ممتلكاتنا، على صداقاتنا. على الأحبّاء من الأذى، وعلى الممتلكات من الضياع، وعلى الصداقات من الجروح المحتملة والتشوّهات المنتظرة. ونخاف لأنّنا نعتبر أنّ ما نحبّه يستحقّ الخوف.
الذين لا يخافون، في العادة، هم الذين لا يحبّون شيئا، أو لا يملكون شيئا. اليأس والرغبة في الموت يقتلان الخوف. الانتحاريّ الذي يكدّر عيش هذا الوطن العربيّ هو شخص لا يخاف من الموت. فهل الخوف عيبٌ؟ وهل يريد بعض مدّعي الإعلام والوطنية أن يمتدحوا هذا الانتحاريّ؟ وأليس في مديحه شيئا من الدفع إلى تكثيفه ومضاعفته؟

اسرائيل
الصور التي راح “متحمّسون” لدعم غزّة يتشاركونها بفخر، تلك التي تظهر إسرائيليين خائفين ومذعورين من صواريخ المقاومة الفلسطينية، لا أعرف بالتحديد ما المقصود منها؟ فهل من فقدوا أخا أو أمّا أو طفلا ستشفي غليلهم صور الإسرائيليين الخائفين؟ هل خوفهم مقابل جثثنا؟ هل هذا هو الانتصار؟ أليست تلك الهزيمة الكاملة؟ أن نموت بالمئات ونفرح لمشهد أم إسرائيلية خائفة على أطفالها في ملجأ مجهّز بكلّ ما يمكن من أساليب الراحة والترفيه؟
أكثر ما يؤلم صورة رتل من السيارات في إحدى المدن الإسرائيلية، وقد خرج منها سائقوها واحتموا إلى جانب حائط بعد انطلاق صافرات تنذر باحتمال تساقط صواريخ فلسطينية. هكذا، خرج السائقون لدقائق، ريثما تتوقّف صافرات الإنذار، والتقط أحدهم الصورة. فكانت كافية لنعلن انتصارنا عليهم. ألم يخافوا؟ ألم ننجح في إخراج بعضهم من سيّاراتهم؟ بعدها الأرجح أنّهم عادوا إلى سيّاراتهم وأكملوا حيواتهم بشكل طبيعي. وغرق آلاف الغزيّين في دمائهم انتقاما من تلك اللحظة.
خمس دقائق خارج السيّارات كانت كافية لنعلن الانتصار على من أخرجوا عشرات الآلاف من بيوتهم وقتلوا العشرات وجرحوا المئات. هكذا نجعل خوف الإسرائيليين مصدر فخرنا وسبب انتصارنا.
يجب أن نعيد الاعتبار إلى خوفنا، نحن. أن نعيد إلى مجتمعاتنا “أسباب الخوف”. أن نبني ما يمكن أن نخاف عليه. أن نخاف على مستقبلنا، على أولادنا، على زوجاتنا، على أمّهاتنا، لا أن نعتبر موت أحدنا “تفصيل”، وأن نتوقّف عن الإيمان بوجود الملايين منّا. أن نعود أفرادا، موت واحد منهم يمكن أن يهزّ العالم، وأسر واحد منهم يغضبهم كلّهم.
يخاف الإسرائيليون؟ نعم، لأنّهم ينظرون أمامهم فيرون أيّاما جميلة يريدون أن يعيشوها.
نخاف نحن؟ بالطبع نخاف. لكن نظهّر صور جثثنا وأشلائنا وأطفالنا يبكون، بعد انتهاء الخوف ووقوع الأسوأ، فيما ينعم الإسرائيليون بلحظات ما قبل “المصيبة”، تلك اللحظات التي يكون الواحد خائفا خلالها، مما نحن فيه كلّ يوم.

السابق
السيستاني يدعو المقاتلين لاحترام حقوق جميع العراقيين
التالي
فضل الله: على كل من يدعي الإخلاص لفلسطين يجب أن ينتفض