8 آذار تريد معرفة المرشّح قبل النصاب و14 آذار تريد النصاب سبيلاً

لم تغيِّر قوى 8 آذار عادتها منذ عام 2005 إلى اليوم، فهي تهدّد بالفراغ الحكومي إذا لم تكن التشكيلة كما تريد، وتهدّد بالفراغ المجلسي إذا لم يكن قانون الانتخاب على قياسها، وهي تهدّد الآن بالفراغ الرئاسي إذا لم يتم الاتفاق مسبقاً على المرشح شرطاً لتأمين النصاب لئلا تفاجأ بانتخاب من لا تريده، في حين ان الدستور يقول بتأمين النصاب أولاً ثم انتخاب الرئيس بالاقتراع السريّ.

الواقع ان استمرار قوى 8 آذار في هذا النهج السيئ من شأنه أن يبقي البلاد تعيش في وضع شاذ لا خروج منه إلا بموافقة كل القوى السياسية الأساسية في البلاد على إقامة الدولة القويّة التي لا دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها. أما إذا ظلت قوى 8 آذار تفرض استمرار الوضع الشاذ لأنه يريحها فلا فرق عندئذ بين رئيس قوي ورئيس ضعيف لأن القوي يصبح ضعيفاً والضعيف يصبح أضعف.
لذلك فإن المطلوب من أي مرشح للرئاسة يريد إقامة الدولة القوية فعلاً لا قولاً ان يشترط لقبول انتخابه رئيساً حلاً لمشكلة سلاح “حزب الله” سواء في إطار استراتيجية دفاعية يتمّ الاتفاق عليها وتضبط استخدام هذا السلاح وإلا فلن تقوم دولة، وإذا قبل بانتخابه من دون هذا الشرط فإنه يصبح رئيساً محكوماً من هذا السلاح كما كان قبله رؤساء محكومون به، بعد الوصاية السورية. وهذا ما جعل العميد ريمون إده يشترط لانتخابه رئيساً للجمهورية انسحاب القوات الاسرائيلية والفلسطينية والسورية من لبنان لأنه يعلم انه من دون تحقيق ذلك لن يكون رئيساً بل مرؤوساً، ولأن ليس في استطاعته حتى بعد انتخابه رئيساً تحقيق هذا الانسحاب الذي يحتاج إلى قرار دولي. وهذا الوضع ينطبق على سلاح “حزب الله”، فما لم يتمّ الاتفاق مسبقاً على حلّ له فلن تقوم في لبنان دولة ولن يتمّ تكشيل حكومات منسجمة ومنتجة ولن يصير اتفاق على قانون عادل ومتوازن لانتخابات ينبثق منها مجلس نيابي يمثّل تمثيلاً صحيحاً شتى فئات الشعب وأجياله، وان التوصل الى حلّ لمشكلة هذا السلاح قد لا يكون في استطاعة أي رئيس للجمهورية ذلك بدليل انه تعذر التوصل الى حلّ له خلال عهود لأن الحلّ هو في يد إيران، وإيران لن تقدمه إلى أي جهة مجاناً وبدون ثمن. فعلى المرشحين للرئاسة إذاً أن يختاروا بين أن يقبلوا بانتخابهم ليتعايشوا كما تعايش غيرهم مع الوضع الشاذ، أي وضع اللادولة، أو أن يشترطوا لانتخابهم الاتفاق مسبقاً على حلّ لهذه المشكلة خصوصاً أن قيادات “حزب الله” مجمعة على القول إنها ترفض اي رئيس للبنان لا يؤمن بالمقاومة ولا يحافظ عليها ما دام الخطر الاسرائيلي قائماً وليس في مقدور الجيش وقوى الأمن الداخلي التصدي وحدها لهذا الخطر، بل القول أخطر من ذلك وهو أن الظروف الراهنة لا تسمح بانتخاب رئيس…
الحقيقة أن اهتمام الناس ليس بمن يكون رئيساً للجمهورية بل على أي جمهورية وعلى أي دولة… فإذا كانت الجمهوريّة هي استمراراً لسابقاتها والدولة هي شبه دولة، فلا فرق عندئذ بين مرشح ومرشح إذ إنهم سيكونون سواء ما دام لا حلّ لسلاح “حزب الله” ولا انتخاب لرئيس إلا إذا كان يوافق على بقاء هذا السلاح إلى جانب سلاح الدولة.
والسؤال الذي ينبغي طرحه قبل السؤال عن أي رئيس نريد للجمهورية هو: هل تريد كل القوى السياسية الأساسية في البلاد إقامة دولة قويّة قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، أم تريد شبه دولة إلى أن تتغير الظروف التي تسمح بذلك؟
إن المرشحين الذين يوصفون بالأقوياء من 14 آذار لن يقبلوا بأن يكونوا رؤساء على شبه دولة، وأن يكونوا كغيرهم عاجزين عن حلّ مشكلة السلاح خارج الدولة، لأن الحلّ ليس في يدهم وحدهم. والمرشحون الذين يوصفون بالأقوياء من 8 آذار يقبلون بقيام دولة تتعايش وهذا السلاح إلى أن تسمح الظروف بايجاد حلّ له…
لذلك، فإن الحلّ الواقعي هو ما اقترحه النائب وليد جنبلاط، أي انتخاب رئيس يجيد إدارة الأزمة المستمرة منذ عام 2005 إلى اليوم ويكون في الوقت عينه يصلح لإدارة مرحلة ما بعد حلّ الأزمة. وهذا المرشح المقبول غير موجود إلا خارج 8 و14 آذار، فلماذا إذاً إضاعة الوقت على تعطيل النصاب وعلى تعطيل عملية الاقتراع، وعدم التوصل إلى توافق على مرشح لديه مواصفات تحقيق الوفاق والمصالحة الوطنية الشاملة في البلاد ضمن المهلة الدستورية بل ترك الخارج يختاره بعد أشهر من الفراغ القاتل؟ فعلى الزعماء الحاليين أن يتمثلوا بزعماء الماضي ويكونوا مثلهم رجال دولة إذ انهم لم يقدموا ولا مرّة على تعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ولا تعطيل عملية الاقتراع، ولا كان حزب يقاطع الجلسة خوفاً من انتخاب رئيس لا يرضى به، كما يفعل البعض اليوم غير آبه بمصلحة الوطن ولا بمصلحة المواطن.

السابق
الاعتماد على الداخل في فوضى الخارج
التالي
الحريري يُفجّر اللغم المسيحي بعون