الاعتماد على الداخل في فوضى الخارج

انتخاب رئيس الجمهورية

لا شأن لنا بالمفاضلة بين المرشحين المعلنين لرئاسة الجمهورية. هؤلاء جميعهم ينتمون إلى الطبقة السياسية المسؤولة عن مشكلات البلاد من الحرب حتى الآن، أما مشاريعهم السياسية الفعلية التي ظهرت في الممارسة لا في «البرامج» والشعارات فهي جزء من الانقسام الوطني ومن فعالية القوى غير المؤهلة لإعادة بناء الدولة أو للإصلاح الجدي. ولن يكون فوز أي من هؤلاء بالمنصب الأول مدخلاً لمعالجة أي شأن، بما في ذلك «التوازن الوطني» أي الطائفي لتوفير حدّ من الاستقرار بين أطراف الفريق الحاكم.
همّنا الحفاظ على الحد الأدنى من هياكل الجمهورية ومن عدم التسليم لفكرة الفراغ، أو اعتياد ممارسة السياسة من خارج العملية الانتخابية كأحد العناصر الضرورية وغير الكافية للدفاع عن التقاليد الديموقراطية.
لعلنا الآن في الامتحان الأصعب لجميع اللبنانيين حاكمين ومحكومين لإدراك أزمة نظامنا السياسي وتداعياته على الجماعات الطائفية وامتيازاتها، وعلى عموم الناس في تجاهل حقوقهم وحاجاتهم. هذه الأزمة تستدعي التفكير في تغيير قواعد اللعبة أو آليات العمل الوطني والثقافة السياسية التي طبعت الكتل النيابية وأحزابها، وربما ما سينشأ من تيارات خارج هذه المنظومة لتقاسم السلطة. فإذا كانت هناك شرعية لشكوى الطوائف أو لمظلوميتها، فلن تجد حلولها داخل هذه المعادلة الأصلية التي قام عليها النظام وهي قيادة طرف طائفي لأطراف آخرين. هذا التوتر الدائم الذي لم يتوقف منذ عقود حول الأرجحية في الأدوار بين الجماعات ليس له إلا حلٌّ واحد هو قبول المساواة الفعلية وما يترتب عليها من إجراءات من أعلى هرم الدولة إلى أدناه، مع ترسيخ حقيقي لدولة القانون التي صارت في لبنان شبحاً. ولأننا نعتقد أن الانتخابات الرئاسية مؤجلة وسندخل مرحلة الفراغ قريباً ويتنحّى المرشحون «الأقوياء» فقد يكون ذلك حافزاً لتحريك ملف الانتخابات النيابية وهي استحقاق قريب أيضاً، لكي يصار إلى تجديد السلطة وشرعيتها وانتخاب رئيس خارج هذا التعقيد الحالي. فمهما كانت عيوب العملية الانتخابية تظل أحد الضوابط التي يحسب لها المتنافسون حساباً. بل هي في اللحظة الراهنة بمثابة اختبار لمستوى تطور الرأي العام بعد هذه الفجوة العميقة بين الإدارة السياسية والمشكلات الاجتماعية المطروحة بقوة مع الحركات المطلبية. فمن الأنسب أن ينتخب الرئيسَ مجلسٌ أكثر شرعية، وان يُنتخب الرئيسُ بأكثرية محترمة من دون ان يُعيّن توافقياً. ففي الوضع الحالي للمجلس لا مجال إلا لرئيس توافقي يتعايش مع التوازنات والنزاعات، ولا يملك سلطة المبادرة السياسية حتى لإدارة حوار وطني بنّاء تجاه مشكلات يؤدي تأجيلها إلى تغييرات ديمغرافية قد تطيح بكل المعطيات التي يقوم عليها التعايش الوطني. فليس مغالياً التحذير الذي تطلقه بعض القوى من مستقبل «الوجود الفلسطيني والسوري» وما قد يترتب عنه في مرحلة لاحقة من أطوار الأوضاع الإقليمية. فلا يبدو أن الأفق مفتوح في المنطقة على احتواء الملفات، متعددة الاتجاهات والأبعاد في بلاد الشام والعراق ولا في المجال الدولي الأوسع. فإذا نحن لم نكن أمام حرب باردة جديدة، وهو أمر لا مقومات له، فنحن أمام أكثر الأطوار تعقيداً وهو تصفية ذيول تلك الحرب والقضايا العالقة منها في غير منطقة. إن إدارة أوباما التي أرادت إخراج أميركا من الحروب التقليدية لم تتنازل عن العقيدة الأصلية لتلك الدولة في تثبيت الانتصار النهائي للرأسمالية في صورتها ونموذجها الأميركي وفق المعايير السياسية الموازية.
ففي الحوار الأميركي مع الصين في منتصف السبعينيات، والحوار مع السوفيات في أواسط الثمانينيات لم يقدم الأميركي أية تنازلات جدية للقوة الاقتصادية الصينية الصاعدة ولا للقوة العسكرية السوفياتية.
ما حصل هو قبول انضمام هاتين الدولتين إلى اقتصاد السوق العالمي ينهي مرحلة «التعايش السلمي» بين منظومتين ليدخل في مرحلة المنافسة المفتوحة فوق الحدود السياسية والأيديولوجية. وقد نكون الآن أمام صدمة كهربائية جديدة لتفتيت آخر عناصر القوة والمهابة السياسية والعسكرية في معركة بدأت منذ عقدين في تقدم الغرب نحو الأبواب الروسية. فأية رهانات على أن الغرب منشغل بالاستقرار الأمني والسياسي والتسويات والحلول التي تعترف للآخرين بالحقوق أو الامتيازات وبالوكالات الحصرية هي رهانات غير واقعية. اجتزنا ولاية ونصف ولاية تقريباً من عهد أوباما الذي جاء على شعار تصفية ملفات الحرب ولم نلمس أثراً لتلك الوعود من فلسطين إلى أفغانستان والعراق وسوريا. أما الشأن الإيراني فيكاد يكون مكرراً عن التفاوض السوفياتي الأميركي، فلا سباق التسلح توقف آنذاك ولا التعاون الاقتصادي حصل. وها نحن نشهد لعباً واضحاً في الحدائق الخلفية للدول التي تعتقد أنها تطمح لقيام نظام شراكة عالمي أو تعددية قطبية. ليس هذا ما نتمناه لكننا نلحظه في إدارة الحروب الأهلية بدلاً من إطفائها.

السابق
القبس: اسهم قهوجي للرئاسة ارتفعت وهولاند يسأل عن العوائق
التالي
8 آذار تريد معرفة المرشّح قبل النصاب و14 آذار تريد النصاب سبيلاً