عرمون: مدينة منسية.. يذكّركم بها قاتل النساء

قاتل النساء في عرمون
لا أمن في لبنان كلّه. صحيح. لكن في عرمون إهمال الأمل أنجب قاتلا متسلسلا يسمّيه الأهالي القاتل الشبح، يستهدف النساء للعنف فقط، لا للسرقة ولا للاعتداء الجنسي حتّى... في بيروت، في الضاحية، في الأشرفية، في الحمرا، يمكن أن يمشي الواحد مطمئنّا 24 ساعة في اليوم. أما في عرمون، فهي قرية لكن بلا ألفة وإنس وأمان الضيعة. وهي مدينة، لكن بلا خدمات المدينة. وهي هادئة، لكن ذلك الهدوء كما في أفلام الرعب، الذي قد ينقلب موجة دموية لا أحد يدري بها إلا بعد فوات الأوان.

أسكن في عرمون منذ 3 سنوات. يومها كان شبح القاتل المجهول، قاتل نساء أو رجال أو طيفا يراودني ويراود 4 من أصدقائي الذين سكنوا عرمون في أوقات متقاربة، هربا من ضجيج بيروت وارتفاع ثمن الشقق فيها إلى هدوء عرمون وانخفاض ثمن العقارات فيها.

بضمير مرتاح أحلف أنني لم أرَ رجل أمن في عرمون طيلة هذه السنوات، وقبلها طوال سنتين من التردّد إلى منزلي أثناء تشييد المبنى وتشطيب المنزل وتنفيذ ديكوراته.

حين انتقلت للسكن هناك نصحني أصدقاء باقتناء سلاح: “اشترِ رشاشا حربيا، أو مسدسا على الأقلّ”، قال لي كثيرون. لكنّني كنت أشدّد على أنّني لن أحمل سلاحا طوال حياتي: “قد يستفرد أحد بك أنت وزوجتك”، خوّفني أحدهم. وأضاف صديق محبّ: “في بيروت لا يأتي رجال الشرطة إلا بعد ساعة، فكيف بعرمون، قد لا تأتي النجدة إلا بعد أيام”.

لكنّني اتكلت على الله وقرّرت أنّني سأضع رأسي بين الرؤوس وأقول يا مدبّر الرؤوس. لكنّ الخير عن قاتل طليق في شوارع عرمون يصطاد الناس ويضربهنّ بالبلطة على رؤوسهنّ بلا سبب، جعلني أكتشف أنّ المثل صحيح في نسخته الأصلية: “حطّ راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس”.

هو خبر عن شخص مجهول، رجل على الأرجح، يصطاد النساء ويضربهنّ ويهرب من دون أن يسرقهنّ أو يعتدي عليهنّ. وضحاياه حتّى اليوم لبنانيتان وأثيوبية نجون من الموت عن طريق الصدفة.

في عرمون لا يوجد مخفر. لا يوجد دوريات أمنية. لا يوجد إلا سلاح شاكر البرجاوي من جهة، وسلاح بعض المجموعات السنيّة من الجهة الأخرى. يُقال إنّ “حزب الله يمسك الأمن في المنطقة”، أي أنّها “ساقطة عسكريا بسبب وجود 3 مراكز تمسك المنطقة مثل كمّاشة”. أحدها مجمّع سكنيّ بُني على مدخل خلدة – عرمون فوق تعاونية “غولف مارت”، ويُقال إنّه مخصص لعائلات من “حزب الله” تمهيدا لقيام “ضاحية صغيرة” تمسك بالأوتوستراد وبمدخل “المدينة الصغيرة” التي تنشأ في عرمون.

لا أمن في لبنان كلّه. صحيح. لكن في بيروت، في الضاحية، في الأشرفية، في الحمرا، على شاطئ بيروت، وحتّى في الأوزاعي، يمكن أن يمشي الواحد مطمئنّا 24 ساعة في اليوم. أما في عرمون، فهي قرية لكن بلا ألفة وإنس وأمان الضيعة. وهي مدينة، لكن بلا خدمات المدينة. وهي هادئة، لكن ذلك الهدوء كما في أفلام الرعب، الذي قد ينقلب موجة دموية لا أحد يدري بها إلا بعد فوات الأوان.

هي منطقة تنمو حتّى لتصير أكبر من ضاحية بيروت الجنوبية خلال أعوام قليلة إلى الأمام. لكنّها متروكة كما لو أنّها ضيعة حقيقية. واليوم قد خرج منها قاتل متسلسل ليرعب أهلها.

الأمل أن يكون هذا القاتل دافعا كي تنتبه الدولة اللبنانية إلى أنّ عرمون تقترب، خلال أعوام، من أن تصير مدينة صغيرة يسكنها ربما أكثر من 200 ألف نسمة. مجمعان تجاريان قد يجعلان أهلها في غنى عن بيروت. أحدهما على مدخل عرمون وبشامون سيضمّ صالات للسينما وربما مسرحا صغيرا.

ربما هذا القاتل سيجعل مؤسسات الدولة تنتبه إلى أنّ عرمون ما عادت ضيعة، وأنّها تحتاج إلى عناية.. إلى الأمن أولا.

السابق
تراجع حدة الاشتباكات في المية ومية والحصيلة 7 قتلى و10 جرحى
التالي
وهاب: لا اتفاق اقليميا بعد ولا محليا على اسم رئيس الجمهورية