هل يفضّل مرشّحو 8 و14 آذار الفراغ على الانسحاب لمرشّح تسوية؟

عندما واجه أركان “الحلف الثلاثي” المؤلّف من كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده الانتخابات الرئاسية ولم يتفقوا على اختيار مرشح واحد منهم ارتأوا تحديد مهلة لكل مرشح ليتأكد فيها من حظوظه بالفوز الذي كان يتوقف على كسب عدد من أصوات النواب المسلمين. فعاد الجميل بحصيلة اتصالاته من دون الحصول على العدد المطلوب من هؤلاء النواب للفوز بالرئاسة. وعندما جاء دور العميد إده للقيام بهذه الاتصالات نشرت صحيفة “لسان الحال” التي كانت تصدر ظهراً في صفحتها الأولى خبر لقاء بين جوزف سكاف وإده وكمال جنبلاط على غداء. فما إن قرأ شمعون الخبر، وكان في إحدى غرف مجلس النواب، حتى دعا الصحافيين ليعلن ترشيحه للرئاسة. وما ان بلغ ذلك إده حتى أبدى استغرابه قائلاً: “كيف يعلن الرئيس شمعون ترشيحه قبل أن يجتمع الحلف الثلاثي ويقرّر ذلك؟”. لكن إده فهم في قرارة نفسه أن شمعون استعجل اعلان ترشيحه ليقطع الطريق عليه وقبل أن يباشر اتصالاته لكسب أصوات النواب المسلمين، خصوصاً أن نواب “جبهة النضال الوطني” قد يصوّتون له فيصبح هو مرشح “الحلف الثلاثي” الأكثر حظاً في الفوز على منافسه المرشح الشهابي الياس سركيس.

وكان ترشح شمعون قد أثار هواجس كمال جنبلاط خصوصاً بعدما بلغ في اتصالاته المكثفة بالنواب المسلمين حدّ تمكنه من خرق كتلته. عندها اتصل جنبلاط بي في الصباح الباكر وطلب مني أن أذهب بصحبة عميد “النهار” غسان تويني إلى منزل الرئيس صائب سلام للاتصال من هناك بالرئيس شمعون وسؤاله عما إذا كان مستعداً للانسحاب لإده ليكون هو المرشح المنافس لسركيس. وعندما أجاب شمعون بالموافقة، أخذني الرئيس سلام جانباً وهمس في أذني قائلاً: إن شمعون ينسحب لإده وليس لسليمان فرنجيه.

ولكن بعدما تأكد جنبلاط أن ترشح شمعون ليس جدياً وإلاّ لما كان وافق على الانسحاب، عاد وطلب مني أن اقترح بلسانه على العميد إده ترشيح الشيخ فريد الدحداح رئيس مجلس الخدمة المدنية كمنافس للمرشح الشهابي وهو شخص قريب منه، إذ أن جنبلاط خشي كون إده ركناً من أركان “الحلف الثلاثي” قد لا يستطيع الفوز في المعركة. وهو، أي جنبلاط، من جهة أخرى كونه صديقاً للاتحاد السوفياتي لم يكن مؤيداً للمرشح سركيس بسبب كشف مخابرات الجيش اللبناني خطة سوفياتية لخطف طائرة “ميراج” من سلاح الجو للجيش اللبناني.

هذا الوضع جعل “تكتل الوسط” يجتمع في منزل الرئيس سلام، وكان نائبان في هذا التكتل قد تعهدا انتخاب المرشح الياس سركيس ولم يعد في إمكانهما التزام ما يقرّره التكتل. لذلك اتفقا على أن يطرحا في الاجتماع ترشيح سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى اعتقاداً منهما أن الأكثرية في التكتل تميل الى ترشيح العميد إده الصديق الحميم لسلام، وعندئذ يكونان معذورين إذا ظلّا عند وعدهما بتأييد سركيس. لكن الرئيس سلام العالم بخفايا الأمور، وافق فوراً على اقتراح ترشيح فرنجيه، وطلب من النواب المجتمعين التوقيع على بيان بذلك إحراجاً للنائبين اللذين كانا قد تعهدا تأييد سركيس.
وكان انتقال نائبي الكورة باخوس وغصن من صف تأييد سركيس إلى صف تأييد فرنجيه لأسباب مناطقية، كافياً لجعل فرنجيه مرشح المعركة. لكن جنبلاط لم يكن من مؤيدي فرنجيه، فحاول إقناع الرئيس رشيد كرامي بترشيح ريمون إده أو الشيخ فريد الدحداح، لكن كرامي أجابه بأنه مع ما يقرّره الرئيس فؤاد شهاب الذي ظلّ مصرّاً على ترشيح سركيس ورفض حتى إبداله بالنائب جان عزيز.

وفي جلسة الانتخاب تبين للرئيس كرامي عند فرز أصوات دورة الاقتراع الأولى أن نتائج الدورة الثانية قد تأتي لمصلحة فرنجيه، فاقترح أن يصير اتفاق على مرشح تسوية يكون الشيخ موريس الجميل. لكن النواب الذين التزموا تأييد فرنجيه ومنهم نواب الكتائب لم يوافقوا على تغيير موقفهم في اللحظة الأخيرة.
يرى سياسي خبير في الانتخابات عموماً أن على قوى 8 و14 آذر اعتماد إحدى الوسائل الآتية:

أولاً: أن يخوض مرشح واحد من 8 آذار ضد مرشح واحد من 14 آذار، وأن تستمر دورات الاقتراع إلى أن يفوز أحدهما بالأكثرية المطلوبة ولا ينسحبان لمرشح ثالث.

ثانياً: أن يخوض جميع مرشحي 8 و14 آذار الانتخابات إذا تعذّر الاتفاق على مرشح واحد أو على مرشحين اثنين يتنافسان ويترك للنواب الغربلة من خلال صندوق الاقتراع بإعلان فوز من ينال أصوات الأكثرية المطلوبة.

ثالثاً: إذا تعذّر على أي من هؤلاء المرشحين الحصول على أصوات الأكثرية المطلوبة فلا بدّ عندئذ من الاتفاق على مرشح تسوية لأن انتخابه يظلّ أقل ضرراً من الفراغ.

السابق
اكتشاف الطائرة الماليزية المختفية في قاعدة «دييغو غارسيا» العسكرية الأميركية
التالي
مكرمة مالية من الرئيس الفلسطيني لاهالي حي المهجرين في نهر البارد