عون وجعجع يُراهنان على بعضهما للوصول إلى الرئاسة!

ميشال عون

في العام 1988، حاول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بالإتفاق مع السفير الأميركي في لبنان آنذاك جون مكارثي، فرض النائب السابق مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس السابق أمين الجميل، مع إيصال تحذير لمن يعنيهم الأمر بأنّه “إمّا الضاهر أو الفوضى”. لكن “رئيس الحكومة الإنتقالية” في حينه الجنرال ميشال عون وقائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع آنذاك أيضاً، وضعا خلافاتهما على حدة، وأفشلا معاً هذا الإتفاق الإقليمي-الدولي. واليوم، وبعد مرور أكثر من ربع قرن، ومع إختلاف الظروف والمعطيات، من سخرية القدر أنّ كلاً من عون وجعجع يراهن على الآخر لمنع وصول رئيس تسوية إلى قصر بعبدا. كيف ذلك؟

يَعتبر كل من رئيس تكتّل “التغيير والإصلاح” ورئيس حزب “القوات اللبنانية” أنّ الضغوط الدولية المطالبة بإجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها، معطوفة على سعي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لذلك، وكذلك على التعهّدات السياسية اللبنانية الداخلية بهذا الإطار، ترفع أسهم حصول الإنتخابات في موعدها. وكلاهما يَعتبر أيضاً -بحسب شخصيّات سياسيّة تدور في فلك الزعيمين- أنّ رفع السقف عالياً بالنسبة إلى ضرورة إنتخاب “رئيس قوي”، يؤدّي حُكماً إلى إضعاف حظوظ المرشّحين المُصنّفين “وسطيّين” والذين يفتقرون إلى دعم وزاري ونيابي وحتى حزبي وازن. ويراهن كلٌّ من عون وجعجع على الآخر، بما له من مَونة ومن ثِقل سياسي لدى حلفائه السياسيّين للحؤول دون السير برئيس تسوية، وللعمل على تأمين النصاب القانوني لجلسة الإنتخاب. وعندها بحسب حساباتهما تكون نصف الطريق إلى الوصول إلى قصر بعبدا قد باتت معبّدة، حيث يبقى العمل السياسي لإستمالة ما لا يقلّ عن 65 نائباً لوصول إلى منصب الرئاسة.
إشارة إلى أنّ عدد النوّاب الحاليّين هو 128 نائباً، وقد حُسم الجدل القانوني –بحكم الُعرف والتطبيق وإتفاق هيئة مكتب مجلس النواب أخيراً بغض النظر عن ضبابيّة الدستور- بشأن ضرورة أن يكون النصاب القانوني لجلسة الإنتخاب بحدود أغلبيّة الثلثين، أي 85 نائباً. وهذا الرقم المطلوب أيضاً لأيّ مرشّح للفوز من الدورة الأولى للإنتخابات، يبقى مطلوباً لبقاء النصاب القانوني للجلسة قائماً في الدورة الثانية التي يُمكن لأي مرشّح رئاسي أن يفوز فيها بمجرّد حصوله على دعم 65 نائباً. بمعنى آخر، صحيح أنّ الدعم المطلوب للفوز بالرئاسة، يتراجع من 85 إلى 65 نائباً إعتباراً من الدورة الثانية، لكن النصاب القانوني لأيّ جلسة يبقى 85 نائباً في مختلف الجلسات. وهذا يعني أنّ النوّاب المحسوبين مباشرة على قوى “8 آذار” أو على قوى “14 آذار” غير قادرين على تأمين النصاب القانوني لأيّ جلسة من دون الإتفاق مع القوى المنافسة، أو أقلّه مع جزء فاعل فيها. فإستمالة النواب المُنتمين إلى “الحزب التقدمي الإشتراكي” وعددهم 6 نوّاب، أو بعض النواب المُصنّفين مستقلّين (عددهم 6 نواب أيضاً علماً أنّ لبعضهم آراء سياسية قد تجعلهم ينحازون لفريق على آخر)، يمكن أن يؤمّن حصول تحالف “التيار” – “8 آذار” (ما لا يقلّ عن 57 نائباً) أو تحالف “14 آذار” (ما لا يقلّ عن 59 نائباً) على أكثر من 65 صوتاً لتأمين فوز أيّ مرشّح مدعوم من قبلهما، أكان رئيس “التيار الوطني الحرّ” أو رئيس “القوات اللبنانيّة” أو سواهما، في الدورة الثانية من أيّ إنتخابات، لكن مسألة تأمين النصاب القانوني للجلسة مستحيلة من دون إتفاق سياسي عريض.

وبالتالي، إنّ فرصة عقد جلسة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية قائمة وبقوّة، لكن غياب فوز أيّ مرشّح بأغلبيّة الثلثين في الدورة الأولى، كما هو واضح بشكل لا يقبل الجدل، سيدفع تلقائياً النوّاب إلى إسقاط النصاب القانوني المطلوب للدورة الثانية للإنتخاب. والسبب أنّ أحداً لن يُقدّم هدية مجانية للخصوم السياسيّين للفوز بمنصب الرئاسة، ما لم يكن هناك إتفاق مُسبق بهذا الصدد. ولو كان هناك إتفاق من تحت الطاولة، كما يُردّد الكثيرون، لكان جرى تعيين جلسة إنتخاب منذ اللحظة الأولى للدخول في المهلة الدستورية للإنتخاب، منعاً لتسرّب بنود الإتفاق ودخول جهات عدّة لعرقلته. لكن التمنيات شيء، والواقع شيء آخر، والواضح أنّ ربع المهلة القانونية للإنتخاب الممتدّة من 25 آذار حتى 25 أيّار، ستنقضي نهاية هذا الأسبوع بينما يكون المجلس النيابي يبحث في إقرار مشاريع قوانين، في أفضل الأحوال.
وأمام هذه المعطيات، إنّ الرهان على كسب الإنتخابات الرئاسية بمجرّد عمليّة حسابية لعدد النوّاب المُصنّفين “وَسطيّين” والمحتمل دعمهم هذا المرُشّح أو ذلك، لا يقارب الواقع من كل جوانبه. وبالتالي، إنّ فرصة رئيس التسوية هي التي تتقدّم وبفارق كبير على فرصة وصول عون أو جعجع إلى قصر بعبدا. حتى أنّ فرصة “الزعيمين” المذكورين على عرقلة أيّ إتفاق على رئيس تسوية – كما حصل في العام 1988، غير ممكنة إلا من خلال إستجابة “الحُلفاء” المُفترضين لكل منهما لطلباتهما. فالزمن لم يعد زمن الحواجز العسكرية التي تمنع وصول النواب إلى موقع الإنتخاب كما في نهاية الثمانينات، وحجم كتلتي “التيّار” و”القوات” النيابيّتين لا يكفي لتعطيل نصاب الثلثين.
وبالتالي، “السيناريو” الأكثر ترجيحاً هو أن تحمل المُهلة الدستورية -في أفضل الأحوال- جلسة إنتخاب، يفشل فيها أيّ مرشّح في نيل أغلبيّة الثلثين، فيتم رفع الجلسة قانوناً أو إسقاط نصابها. وبعد الفشل في الإتفاق على رئيس تسوية، والدخول في الفراغ، سيتمّ وضع البطريرك الراعي وكل “الزعماء” المسيحيّين أمام واقع “رئيس تسوية أو الفوضى” من جديد، علماً أنّ ضغوط رئيس مجلس النوّاب نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط ستنصبّ عندها على تسويق النائب جان عبيد كرئيس تسوية، بينما ستعمل قوى أخرى على تسويق قائد الجيش العماد جان قهوجي بحجج وتبريرات شبيهة بتلك التي إعتمدت عشيّة إنتخاب الرئيس ميشال سليمان، بالتزامن مع العمل بجهد لإرضاء “الجنرال” عبر التعهّد بمنحه حصّة وزارية وازنة إضافة إلى منح مقرّب منه قيادة الجيش اللبناني.

السابق
الانتخابات الرئاسية على خط المفاوضات الأميركية – الإيرانية
التالي
لبنانيون «يفسبكون» ضدّ «العنصرية»