الانتخابات الرئاسية على خط المفاوضات الأميركية – الإيرانية

قد يكون من المبكر بعض الشيء معرفة النتائج الحقيقية لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية. صحيح أنّ ما ظهر حتى الآن لا يسمح ببناء آمال كبيرة، إلّا أنّه لا يمكن بالتأكيد الحكم على محطة بهذه الأهمّية من خلال نظرة مبسّطة.

فالرئيس الأميركي كان مهّد لزيارته من خلال الإعلان عن إغلاق السفارة السورية وكافة قنصلياتها على الأراضي الأميركية، كما أنّ القيادة العسكرية الأميركية ساهمت في تزويد المجموعات المعارضة بالمعلومات المأخوذة من الأقمار الصناعية، ما سهّل عليها مهمّة اختراق الشاطئ السوري لأوّل مرّة منذ بدء الحرب في سوريا.
في المقابل لم تكن الإشارات السعودية أقلّ شأناً، خصوصاً باتجاه إيران التي أحدث الانفتاح الاميركي عليها تحوّلاً كبيراً في الشرق الأوسط.
فعدا الإصرار على ولادة حكومة وحدة وطنية في لبنان مهما بلغت «التضحيات»، ضاعفت الحكومة السعودية حصّة «الحجّاج الإيرانيين» لأوّل مرة منذ عهد رفنسجاني، في وقت كان السفير السعودي المعيّن حديثاً في ايران يفتح حواراً متشعِّباً ولو على مستوى كبار موظفي الخارجية الإيرانية من دون الوصول الى الوزير نفسه.
هناك من يرى في إلغاء الرئيس الاميركي لمحطاته الخليجية الأخرى باستثناء السعودية إشارة واضحة للرياض. وهنالك من يرى في المقابل إشارة تعيين الأمير مقرن وليّاً لوليّ العهد إشارة سعودية بليغة، وهو المعروف عنه مرونتُه في تعاطيه مع الملفات الإقليمية المعقّدة، في وقت يكثر فيه اللغط حول صحّة الملك عبدالله، إضافةً إلى الوضع الصحّي الدقيق لوليّ العهد.
لكنّ ما صدر عن القمّة الاميركية – السعودية لم يحمل إشارات إيجابية واضحة، ربّما انسجاماً مع تفسير البعض بأنّ واقع المواجهات المستمرّة دقيق ولا يحتمل تظهير إيجابيات واضحة. ومن الأفضل ربّما استكمال التواصل الايراني – السعودي الذي بدأ بهدوء وتأنٍّ وبعيداً عن الإعلام.
في كلّ الأحوال، إنّ الملفات الساخنة التي تشغل بال الرياض كثيرة ومتعدّدة، من العراق إلى سوريا ولبنان فاليمن، ومن ثمّ ساحات الخليج كالبحرين، إضافةً إلى قطر ثمّ مصر… لكنّ الجميع مُدركٌ أنّ ما يميّز الملف اللبناني هو وجود قرار دوليّ كبير بضبط الساحة، وعدم ترك الوضع ينزلق نحو الهاوية، وهذا ما برهنه مؤتمر لبنان الذي عُقد في باريس، وحيث حرصت روسيا على المشاركة فيه من خلال وزير خارجيتها، على الرغم من اندلاع أزمة أوكرانيا.
لكنّ ذلك لن يعني بالضرورة النجاح في تمرير الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، ذلك أنّ المفكّرة اللبنانية الحسّاسة متداخلة بالعمق مع التطوّرات والمستجدّات الإقليمية الكبيرة.
وكانت الرسائل التي حملها أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله في كلمته لا لُبسَ فيها: لا تمديد للرئيس ميشال سليمان تحت أيّ ظرفٍ كان، وللّذين يترقّبون ما ستؤول إليه المفاوضات الاميركية – الايرانية نقول سلفاً بأنّه لن تحصل المتغيّرات التي يراهنون عليها.
ووفق ما يتردّد في الكواليس الديبلوماسية، أنّ هذه المفاوضات في مرحلتها الثانية ستنتهي منتصف الصيف المقبل، ولا تحتاج الأمور إلى كثير من التمحيص للاستنتاج بأنّ السيّد نصرالله أراد أن يعكس الروحية التي تسير وفقها هذه المفاوضات. وليست مواقف أمين عام «حزب الله» هي وحدها المؤشّر، بل الانفتاح السعودي الصامت باتّجاه ايران.
أساساً، كان الرئيس سليمان أرسل سرّاً إلى قيادة «حزب الله» ينصح بقبول التمديد له لمدّة سنتين، بحيث تكون المدّة كافية لإنجاز التفاهم الاميركي – الايراني، وعندها تصبح حصة «حزب الله» في الرئيس الجديد أكبر ممّا هي له في المرحلة الراهنة والتي ستؤدّي إلى رئيس لسِتّ سنوات جديدة.
رفضت قيادة الحزب العرض، في الوقت الذي باشرَ سليمان ضغطاً سياسياً وإعلامياً من خلال «المعادلة الخشبية».
وبدل أن يسمع تعديلاً في موقف «حزب الله»، جاءته الصرخة من الرئيس الفرنسي: «ماذا تفعل؟ ذلك أنّ رفع السقف إلى هذا المستوى يتعارض مع السياسة القائمة في المنطقة». وطبّق سليمان نصيحة هولاند متأخّراً، بحيث جاء ردّه على كلام السيّد نصرالله هادئاً جدّاً، على الرغم من تلقّيه ضربة قاسية في انعقاد طاولة الحوار.
لذلك، فإنّ هناك من يعتقد أنّ المواجهات الانتخابية التي ستدور خلال الفترة الدستورية ستؤدّي إلى شطب أسماء من السباق إلى قصر بعبدا، لا إلى انتخاب أحدها، ذلك أنّ إتمام الاستحقاق قد يكون في حاجة إلى معطيات لن تكتمل إلّا مع انتهاء المرحلة الثانية من المفاوضات الاميركية – الايرانية منتصف الصيف المقبل.

السابق
بين غفلة القيادات.. وإحباط الشعوب!
التالي
عون وجعجع يُراهنان على بعضهما للوصول إلى الرئاسة!