على هامش فيديو الأستاذ موسى: هل نستطيع قتل أسلافنا؟

الضرب المدرسي
من يرى صور "الأستاذ موسى" مع التلاميذ قد يشعر للحظة بالشفقة تجاهه ويبرّر الضرب الذي انهال به على التلاميذ. التلاميذ أيضاً قرّروا أن يسامحوا الأستاذ موسى ضاهر، مدير مدرسة "المقاصد الإسلامية" في قضاء الزهراني بالجنوب. إيقاف هذه الدوامة يتطلب إرادة ووعي ودولة مقتنعة بالسلم. التغيير الفعلي يتطلّب منا أيضاً أن نكون جاهزين لقتل آبائنا وأمّهاتنا وأسلافنا، القتل بالمعنى المجازب طبعاً، فهل نحن مستعدون لذلك؟

من يرى صور “الأستاذ موسى” مع التلاميذ قد يشعر للحظة بالشفقة تجاهه ويبرّر الضرب الذي انهال به على التلاميذ. التلاميذ أيضاً قرّروا أن يسامحوا الأستاذ موسى ضاهر، مدير مدرسة “المقاصد الإسلامية” في قضاء الزهراني بالجنوب. حتّى أنّ أحدهم قال إنّه يشعر بالخزي لأنّه عرّض سمعة الأستاذ إلى الخطر. ليس التلاميذ فقط من ساندوا موسى ضاهر في اعتداءاتهم عليهم بل أيضاً لجنة الأهالي وفريق العمل في المدرسة.

وصف الجميع ما حدث بـ”الساعة الشيطانية” وضاهر نفسه قال إنّه كان متألّماً لأنّ تلاميذه حصلوا على علامات منخفضة وكأنّ هذا “التأديب” سيفتّح أذهانهم من جديد ويوسّع قدرتهم على الاستيعاب. قال ضاهر إنّه كان يواجه ضغوطات تعليمية كانت السبب في عصبيته لكنّه أكّد أنّه لم يؤذِ التلاميذ.

قضية ضاهر لا يمكن حسمها عن بعد ولا يكفي إطلاق الشعارات ضدّ إيذاء الأطفال. كأنّ هذه هي الحالة الهمجية الوحيدة وحالة مستجدّة في لبنان. الضرب في المدارس موجود ومنتشر. ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي هو فضح ممارسات كهذه كانت من دون شك تحصل سرّاً من قتل الزوجات إلى تعنيف التلاميذ وهذا فضل كبير ساهم في رفع السرّية عن قضايا “من المعيب” الحديث عنها.

التعاضد مع ضاهر من قبل التلاميذ والأهالي مردّه إلى التركيبة اللبنانية العشائرية في الأطراف، خصوصا في القرى الجنوبية والشمالية على السواء. بالنسبة إلى أهالي القرى هناك هذا الشعور بالعار الذي يطغى حين تخرج المشاكل إلى العلن. الأمر مختلف قليلاً عن المدن حيث الحسابات العائلية قد تكون أقل وطأة. هذا من جهة تفسير اعتصام “نعم للضرب” كما سمّته إحدى وسائل الإعلام.

من الجهة الأخرى، لننظر إلى مسألة قبول العنف في مجتمعاتنا كنوع من التأديب. أليس هذا النظام العائلي الأبوي تحت الراية البطريركية الذي يبيح الضرب أحياناً والإهانة؟ أليست هذه القيم التي تشكّل نسيج مجتمعنا مجحفة أحياناً؟ لا يمكن للأبناء الاعتراض على ما يقوله الآباء والأساتذة. على الصغير أن يفرط في احترام الكبير. الاحترام أيضاً في الحياة الزوجية. على الزوجة أن تفرط في احترام زوجها وألّا تخالف أوامره وألّا تعترض. على الموظف أن يحترم ربّ العمل.

الاعتراض ليس على الاحترام بمعناه العاطفي ولا هو اعتراض على الروابط العائلية في المجتمعات العربية بل هو اعتراض على كوكبتها وضمّ أمور كثيرة غير منطقية ولا مقبولة تحت رايتها وتنبيه أنّها مرّاتٍ عدّة تحاول إلغاء فردية الإنسان وبالتالي إمكانية تجدّده وتطوّره خارج إطارها. هذا النظام السائد يزوّد الأستاذ بشعور ضمني أنّه يحق له أن يضرب التلاميذ “لمصلحتهم”. هو أيضاً ما يجعل التلميذ ضمنياً يشعر أنّه يستحق الضرب أو أنّ إيذاءه مبرّر. ربّما هذا الأستاذ كان معنّفاً من قبل أسلافه وربما هذا الطفل المضروب سيكرّر غداً هذه الحادثة وستستمرّ حلقة العنف المفرغة.

العنف في المجتمعات العربية ومنها لبنان ليس أمراً يمكن حلّه بالشعارات وربما حتّى لن تكفي القوانين. العنف هو أوّلاً ثقافة متجذّرة فينا تصدّرها لنا شاشات التلفزة والحروب التي لا يعاقب أحد عليها ومفاهيم السلطة الملتبسة، من سلطة الأهل حيث المنزل الصغير حتّى سلطة المجتمع والدولة والمؤسسات. العنف أيضاً نتاج وضع إقتصادي وإجتماعي ونتاج قمع الحريات وقمع الإنسان – الفرد في المجتمع العربي. وهو يتجلّى في مختلف التصرفات من رصاص الابتهاج إلى العنف المنزلي إلى تصرّفات رجال الأمن وطريقة تعامل الشرطي في المخفر مع الموقوف، إلخ.

 ماذا يمكن أن نفعل مقابل هذه المنظومة الّتي تسكننا؟ ربما لا أملك الإجابة ولكن ما أعرفه هو أنّه يجب إحاطة هذا الموضوع من كافة جوانبه لمنعه بيننا وليس التعامل معه فقط كإنجاز وزاري. إيقاف هذه الدوامة يتطلب إرادة ووعي ودولة مقتنعة بالسلم. التغيير الفعلي يتطلّب منا أيضاً أن نكون جاهزين لقتل آبائنا وأمّهاتنا وأسلافنا، القتل بالمعنى المجازي طبعاً، فهل نحن مستعدون لذلك؟

https://youtu.be/6Nkd1VBqing

 

السابق
اربع جرحى من الكتيبة النيبالية
التالي
بري: حريص على العمل لإنعقاد جلسة ناجحة لإنتخاب الرئيس