أما «حزب الله» فهو يحقق من طريق هذا «الطوق الشيعي العلوي المشترك» الذي يصل جبل عامل بالسلسلة الشرقية بوادي العاصي بجبل العلويين متغيراً أساسياً في الجغرافيا الطائفية اللبنانية. فقبل ارتسام هذا الطوق، كانت هذه الجغرافيا تتمحور حول «لبّ مسيحي» يشمل أساساً جبل لبنان الشمالي والاقضية المسيحية من الشمال، وهذه منطقة تتمتع بتواصل جغرافي وتجانس ثقافي وديني، خصوصاً بعد ان اجبرت الهزائم المتتالية المسيحيين في سني الحرب على النزوح في اتجاه هذا «المنحسر». ورغم التراجع الديموغرافي لنسبة المسيحيين من المسلمين في لبنان بقي هذا الامتياز التواصلي الجغرافي له مكانته، ولو اللاواعية، في الحسابات اللبنانية، لأنه بخلاف ذلك فمناطق السنة والدروز والشيعة متناثرة ومتقطعة على الجغرافيا اللبنانية بشكل أكبر من التناثر الفعلي للمسيحيين. الآن ثمة تعديل في الصورة: حيث ينبثق تواصل طائفي من نوع آخر هو المحقق عسكرياً من جبل عامل حتى جبل العلويين، والذي يؤمن ظهراً مشتركاً لعمليات النظام الأسدي في الداخل السوري ولعمليات «حزب الله» في الداخل اللبناني.
عمليات النظام الأسدي متصلة بحربه مع الفئات الثائرة عليه المنتمية الى النسيج الأكثري العربي السني من المجتمع السوري. لكن ماذا عن عمليات «حزب الله»؟
الحزب أولاً يريد تثمير انجاز هذا الطوق في الداخل اللبناني حتى قبل انتظار اكتمال سماكته وكثافته. هذا له تدبير ميداني بالدرجة الأولى: تطويق عرسال، استنزاف طرابلس، ادارة عمليات أمنية في بيروت كالاشتباك الصباحي بالأمس، وهكذا. المزيد من الغلو في محاكاة الادارات الكولونيالية حيال المناطق السنية. محاولة تصوير الطائفة السنية على انها منقسمة الى ثلاث: «معتدلون» يخوّنون لأنهم يناهضون خط الممانعة لكن يقبل الحزب تشكيل حكومة معهم، وهو يراها «حكومة شراكة» وهم يرونها «ربط نزاع»، و»متطرّفون» يستعيد «حزب الله» المعجم الأميركي ضد الارهاب بحرفيته ضدهم، وتضاف عليه نتفٌ من تراث الفتن والصراع بين الفرق الدينية، وشعارات تنويرية يتبرّع بها «شيوعيو» بشّار الأسد، و»تنويريون» هم «سنّة حزب الله»، أو قل «السنة الوطنيون والعروبيون». مثلاً غاريبالدي، عفواً، شاكر برجاوي.
لكن الحزب لا يكتفي بهذه المعالجة حيال المناطق السنية. فالاستحقاق الرئاسي يقترب، ومعه يقترب طرح السؤال عن «سياسة» الحزب تجاه المسيحيين في مرحلة ما بعد ارتسام طوق جبل عامل – السلسلة الشرقية – وادي العاصي – جبل العلويين، ومرحلة ادارة الاشتعال في المناطق السنية. لكن السؤال السابق عليه هو: هل يشعر المسيحيون بارتسام هذا الطوق، كيف، وبأي شكل، ومتى؟