14 آذار إلى أين؟ وأين تكمن المشكلة ونقاط الضعف؟

جمهور14 اذار

احتفال قوى 14 آذار امس في مجمع البيال بذكرى انطلاقتها قبل تسع سنوات مهم في حد ذاته بغض النظر عن «شكله ومضمونه وحشده ورسائله».

فهذا الاحتفال «دليل حسي» على أن 14 آذار مازالت موجودة ومتماسكة مسجلة رقما قياسيا في عمر التحالفات والجبهات السياسية التي لم تعمر طويلا في لبنان، من الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية أيام الحرب الى تحالفات ما بعد الطائف.

ولكن 14 آذار ليست في «أفضل حال» هذه الأيام، لا بل هي في «أصعب وضع» تواجهه منذ قيامها مع تكرر حوادث الاصطدام داخلها واتساع نطاق التباينات حول الأساليب والوسائل رغم الاستمرار في وحدة الأهداف والتطلعات التي تتمحور حول مشروع الدولة وفكرة العبور إليها وتعزيز الشراكة الإسلامية المسيحية.

وهناك كثيرون داخل 14 آذار يقرون بواقع أن هناك مشكلة تستدعي مراجعة شاملة وجذرية على المستويين التنظيمي والسياسي لاستعادة حركة 14 آذار ما فقدته من دينامية وجهوزية شعبية و«مصداقية سياسية»، وهذه المراجعة تبدأ بإعادة هيكلة مؤسساتية وتنتهي الى إعادة صياغة أو بلورة المشروع السياسي وتكييفه مع المتغيرات والتحولات الكثيرة التي حدثت منذ العام 2005، وحتى لا تظل 14 آذار مسبوقة بالتطورات ولا تظل تدور حول طروحات تجاوزتها الأحداث لأن الظروف التي قامت في ظلها هذه الحركة الشعبية السياسية، وفي لحظة لبنانية نادرة، تغيرت كليا، ولأن الأهداف التي قامت من أجلها تحقق الأهم منها (الانسحاب السوري ـ المحكمة الدولية)، وأما موضوع «المقاومة والسلاح وحزب الله»، فإنه موضع خلافي مدرج على طاولة الحوار الوطني ومقاربة 14 آذار له لم تكن مستقرة وتميزت بحركة صعود وهبوط، اندفاع وانحسار تبعا للظروف والحاجات.
مما لا شك فيه أن 14 آذار تعاني مشكلة خرجت الى العلن بعدة أشكال وفي عدة مناسبات وتمثلت في انحسار القدرات الشعبية وتحديدا القدرة على تحريك الشارع وتعبئته، وفي اهتزاز الصدقية السياسية نتيجة أخطاء في التقدير أو تقلبات حادة برفع السقوف السياسية وخفضها، أو تنازلات غير مبررة تسببت في حالات إحباط وخيبة لدى جمهورها، كما تتمثل أيضا في تراجع الثقة بنفسها وقدرتها على تغيير الوضع.

وعلى المستوى السياسي ظهرت هذه الأزمة بشكل واضح مرتين خلال عام واحد وفي استحقاقين ومحطتين: قانون الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة سلام. هذه المشكلة داخل 14 آذار يمكن إدراجها تحت عنوانين رئيسيين:

الأول: الأسباب والعوامل المتراكمة منذ العام 2008 ويمكن اختصارها في أبرز النقاط التالية (حسب الترتيب الزمني):

٭ هاجس وعقدة 7 مايو 2008 بعد نزول حزب الله على الأرض ودخول القوة على خط المعادلة وميزان القوى السياسي الذي رجح لمصلحة الحزب و8 آذار. وهذا العامل وضع تيار المستقبل تحت تأثيره ومازال.

٭ عدم ترجمة 14 آذار انتصارها الانتخابي في العام 2009 سياسيا وعمليا في حكومة لها أو بشروطها.

٭ خروج وليد جنبلاط من 14 آذار بعدما كان القطب والعصب الأساسي فيها، وسلوكه مسارا سياسيا يصب عند حزب الله منذ العام 2009.

٭ خروج المستقبل و14 آذار من الحكم والسلطة مطلع العام 2011، وهذا ما حدث للمرة الأولى منذ قيامها عام 2005.

٭ الوجود القسري الطويل للرئيس سعد الحريري في الخارج، ترك تأثيرا على قدرة التحكم بإدارة اللعبة السياسية وضبط إيقاع الخلافات والتناقضات داخل 14 آذار ومراكز القوى فيها مع غياب سلطة أو مرجعية قيادية للقرار السياسي.

٭ عدم إفادة 14 آذار من لعبة الوسطية على مستوى البلد ومحورها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي قدم خدمات لـ 14 آذار لم تثمنها ولم تحسن توظيف ما وفرته من تناقضات وتوازنات.

٭ الفجوة في العلاقة بين تيار المستقبل والأحزاب المسيحية لـ 14 آذار، تحديدا «القوات والكتائب»، وتحديدا أكثر مع د.سمير جعجع الذي ساهم في ملء فراغ جنبلاط، ولكن علاقته مع الحريري لم ترق الى مستوى علاقة الحريري مع جنبلاط الذي يظل المفضل عند زعيم المستقبل حتى الآن ورغم كل ما فعله.

٭ التغير الطارئ على الأجواء والخارطة السنية مع نمو الحالة الإسلامية لأسباب كثيرة منها ما يتصل بـ«الربيع العربي» الذي كان في أولى سنواته «ربيعا إسلاميا»، ومنها ما يتصل بالأزمة والحرب السورية التي صدرت تطرفا الى لبنان، ومنها ما يتعلق بالعلاقة المضطربة مع حزب الله والتي ازدادت اضطرابا بفعل الصراع السني ـ الشيعي في المنطقة.

وهذا التبدل على الساحة السنية دفع «المستقبل» الى تعديل أولوياته وسياساته.

الثاني: الاختلاف «الحديث» في وجهات النظر وفي القراءة السياسية للتحولات الجارية في المنطقة (تحديدا بعد الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سورية، والاتفاق الإيراني ـ الأميركي حول الملف النووي، وانطلاق «جنيف ـ 2» على وقع وضع متحرك ومتغير على الأرض السورية.. إلخ).

وهذه التطورات، التي أحاطتها كمية من الغموض والالتباس وهي ليست مكتملة ولا نهائية، انعكست ارتباكا وتخبطا لدى 14 آذار في طريقة التعاطي معها ومواكبتها وفي تقدير نتائجها ومساراتها.

وبالإجمال ظهر توجهان ورأيان:

1- رأي يعتبر أن:

٭ إيران تمر بمرحلة تحول هادئ وعميق سينقلها الى حالة اندماج مع المجتمع الدولي والى تغيير في السياسات والسلوكيات الداخلية للنظام مع تراجع نفوذ المحافظين والحرس الثوري وتقدم الإصلاحيين الذين فرضوا وجودهم وفرضوا على المرشد الأعلى خامنئي الاعتراف بواقعهم وشعبيتهم.

والاتفاق النووي مع أميركا ليس دليل قوة وإنما ضعف والدافع الأساسي إليه الوضع الاقتصادي المالي المتراجع بقوة.

٭ الأميركيون يعدلون سياستهم باتجاه أكثر حزما وحذرا تجاه النظام السوري ويصعدون في لهجتهم وموقفهم، خصوصا بعد إخفاق علاقتهم مع روسيا.

٭ «جنيف ـ 2» أطلق مسارا جديدا للأزمة السورية سيفضي آجلا وليس عاجلا ومهما تأخر الوقت الى إسقاط بشار الأسد من المعادلة. النظام يمكنه أن يؤخر هذا المسار لا أن يلغيه. الأميركيون والروس متفقون على أسس الحل وأهمها: محاربة الإرهاب، إزاحة الأسد، المحافظة على الجيش الذي سيتولى المهمتين: ضرب الإرهاب ووراثة الأسد.

٭ حزب الله في أصعب أوضاعه وأسوأ أيامه. وهو محاصر من أربع جبهات (الحرب في سورية الصراع مع إسرائيل الإرهاب في مناطق نفوذه الحصار الخارجي الديبلوماسي والمالي).

خلاصة كل هذا التحليل أن قوى 14 آذار ليست في الوضع السيئ الذي تصوره لنفسها وأن حزب الله ليس في الوضع الجيد الذي يصوره لنفسه.

وأن 14 آذار ليست مضطرة ولا مصلحة لها في تقديم تنازلات في هذه المرحلة وفي استحقاقات حكومية ورئاسية مفصلية وليس عليها إلا الانتظار لأشهر إضافية بعدما انتظرت ثلاث سنوات.

وليس هذا هو الوقت المناسب للدخول في تسوية مع حزب الله خصوصا إذا كانت مع تنازلات مجانية ولم تكن بشروطها هي. وتنقل العلاقة مع حزب الله من حال مواجهة الى حال مهادنة ومن مسار صراع الى مسار شراكة.

2- فريق ثان وفي تحليل متعارض يصل الى حد التناقض مع الأول يرى أن:

٭ المشكلة الأساسية تكمن في أوباما والسياسة الأميركية. أميركا في حالة انكفاء وتخل عن الشرق الأوسط. سورية لا تهمها. العراق سلمته لإيران.

٭ إيران عبر الاتفاق النووي تحررت من عبء العقوبات الدولية ومن هاجس الحرب والضربة العسكرية. هذا يتيح لها مزيدا من التوسع والهيمنة في المنطقة خصوصا على خط المثلث الذهبي بالنسبة لها: العراق ـ سورية ـ لبنان.

٭ إيران لن تتخلى عن نظام الأسد مهما كلف الأمر. هذه معركة فاصلة وحاسمة. مقابل التصميم الإيراني هناك فجوة أساسية في الوضع العربي الذي تنقصه قيادة ومرجعية.

٭ الأزمة في سورية طويلة وغامضة النهايات. «جنيف ـ 2» فاشل والمعارك لا تتوقف وإنما ستشتد وسورية سائرة نحو التقسيم مثل العراق.

ولبنان لا يمكنه التعويل على التطورات السورية للبناء عليها، خصوصا أنه لا مؤشرات على سقوط نظام الأسد أو الى ضعفه، وإنما يستفيد من عاملين وتطورين: التشتت والانقسام عند المعارضة وأولوية محاربة الإرهاب عند الغرب.

٭ حزب الله ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها إلا أنه يحافظ على وضع جيد ومتماسك أمنيا وشعبيا وسياسيا. انسحابه من سورية غير وارد حاليا ومعركته هناك معركة حياة أو موت.

تنازله وتساهله في لبنان يقف عند حدود، وفي ظل ميزان قوى يميل لمصلحته في لبنان بسبب قوته وتفوقه العسكري وبسبب الأكثرية النيابية التي جمعها لمصلحته قادر على التحكم بكل الاستحقاقات.

خلاصة هذا التحليل أن قوى 14 آذار مضطرة للمهادنة للتكيف مع الواقع واتباع سياسة الحد من الخسائر وتقطيع المرحلة بأقل الأضرار والتنازلات وترجمة ذلك على صعيد الحكومة كانت الموافقة على حكومة 8-8 -8 التي أتاحت لـ 14 آذار العودة الى السلطة من دون تقديم تنازل في الموقف السياسي.

14 آذار كحركة شعبية وتحالف سياسي تقف عند مفترق طرق. اهتزت في الأشهر الأخيرة ولم تسقط. ولعل الاستحقاق الرئاسي يشكل المحطة المفصلية والحد السياسي الزمني الفاصل في مسيرتها إما باتجاه تعويمها وتزخيمها، وإما في اتجاه تصدعها وتفككها. فهل تكون نهاية ولاية سليمان نهاية 14 آذار ويكون احتفال امس آخر احتفالاتها؟! أم أنها تعيد في العام المقبل ذكراها العاشرة مع رئيس جديد من صفوفها؟

السابق
ما هي الحداثة وأين مجتمعاتنا العربية والإسلامية منها؟
التالي
الأسد يقصف لندن.. ويجوّع أطفال النروج