العراق… الشراكة شرط لمشروعية أي مطلب

ليس العراق بحاجة الى حاكم أبدي ومتسلط، أو صدام شيعي، بديلاً لصدام السني، لأن صدام الشيعي سوف يفتك بالسنة والشيعة معاً. والآخرين، باسم الشيعة، وعلى حسابهم لا لحسابهم أو لحساب بعضهم وبعض السنة، كما فتك صدام حسين بالسنة والشيعة وعموم العراقيين، باسم السنة وعلى حسابهم لا لحسابهم، ولا يمكن أن يكون الفتك بجزء من العراق، أو جزء من جماعة دينية أو مذهبية أو قومية عراقية، لصالح جزء آخر، إلا إذا كان هذا الأخير انتهازياً ووصولياً وغبياً ولا يقرأ التاريخ.

إن العراقيين ليسوا بحاجة الى أن يدفعوا الى عصبية عمياء، تجعلهم يعتبرون رذائل الحاكم أو المسؤول من أي طائفة كان، فضائل في مقابل رذائل أو فضائل آخرين، تحاول عصبياتهم أيضاً أن تقدس رذائلهم.. وفي النهاية، وأمام تبادل الرذائل وتبريرها وتقديسها، نصبح في مجتمع أبالسة لا يتحمله العراق ولا غيره. وهو العراق الغني بالأسماء والكفاءات المغيبة، ربما كان الأنسب والأجدى له أن يكون له رئيس وزراء وحكومة من الخبراء وأهل الكفاءات والمعرفة المتخصصة، التي لا يجوز وليس حقيقة علمية اختزالها بالتكنوقراط، التي تعني في لغة البعض (اللاسياسة) لأن هناك فئة واسعة ومعروفة ومجربة من التقنيين واسعي العلم والصدر وبعيدي الرؤية والقدرة على ادارة الدولة والثروة بالتناغم والانسجام مع الطبقة السياسية التي يفترض فيها أن ترعى الكفاءات ولا تعاديها أو تقف في وجهها.. خاصة وأن هذه الطبقة قد فشلت فشلاً ذريعاً وحولت الشعب العراقي الى قسمين، قسم مرعوب من الماضي فيقبل الحاضر على بشاعاته، وقسم مرعوب من المستقبل فيحاول أن يستعيد الماضي بكل بشاعاته.. وبحكومة الخبرة والكفاءة والنظيفة يمكن للطبقة السياسية أن تصحح وضعها وتتعلم أفكار وقيم الإدارة الناجحة.

إن للشيعة والسنة والأكراد والكلداشوريين والمندائيين والأيزيديين والشبك والتركمان وغيرهم، حقوقاً مشروعة في العراق، هي حقوق وطنية وليست طائفية أو إثنية تدخل في السياق الوطني ولا تنافيه، على أساس ان الجماعات الدينية والمذهبية والإثنية هي متحدات ثقافية واجتماعية اختيارية، لا يجوز أن تكون بديلاً أو موازية أو قناة إجبارية الى الدولة، ولتكون للجميع، لا بد أن تكون دولة أفراد وقانون، وبذلك تحفظ الخيارات الأخرى من دينية وإثنية وحزبية، ويكف المواطن عن الخوف على طائفته من مواطنته او على مواطنته من طائفته.

هنا أحسن السيد مقتدى الصدر، وليس للمرة الأولى، بل كان هذه المرة أكثر صراحة ومرارة، أحسن في كلامه الذي يرتفع فوق الطائفية من أجل الطوائف وكرامات وحياة أبنائها ومن أجل الشيعة، تحت سقف المواطنة العراقية.. ولكلامه مدلول إضافي، لأنه رجل دين وارث لتراث ديني حوزوي صدري يمتد من إيران الى العراق الى لبنان. كانت ميزته في مرونته وانسانيته وسعته وشعوره بالمسؤولية عن الجميع ورغبته وسعيه الى اندماج الشيعة في أوطانهم وأقوامهم.

وعوداً على بدء، إن مقتدى الصدر ليس حالة استثنائية وإن كان في موقع متميز وفاعل.. وهو يقول ويعتقد ونعتقد معه، بأن مطالب الشيعة المحقة لن تكون مشروعة الا اذا قامت على شراكة الآخرين في نظام ومصالح وطنية عراقية إنسانية هي من شأن العراق الحضاري.

إن الشراكة شرط لكل شيء، للنمو والتنمية والوحدة والدين والإيمان والوطن والدولة والكرامة والاستقلال والسيادة والسلام الأهلي والديموقراطية، بمعنى تداول السلطة ومرجعية الشعب داخل الحدود لا خارجها وفي حالة دائمة من الحرص على رضا الله في خدمة عياله، كل عياله، أي كل الناس أو كل المواطنين.

السابق
الكتائب: ربط استقالة الوزراء بمعالجة للالتباس بمكانة الدولة في البيان الوزاري قبل الاربعاء
التالي
معارك طرابلس تشتد ليلا ولم تستثن الجيش مع ارتفاع عدد القتلى إلى 11