عن حرب بين الشيطان وحزب الله

في الآتي مقال أرسله باتريك إيليّا، وهو من قرّاء "جنوبية". ننشره تنفيذا لوعدنا بنشر مقالات القرّاء، على أن يكونوا مسؤولين عنها، معنويا بالدرجة الأولى. ننتظر مشاركات القرّاء أكثر في الآتي من الأيام.

شعارات صيغت بحقد وجُبلت بكراهية عمياء هادفة لتعميم هذه النظرة على جمهور تابع لقيادات تابعة بعنوان مقاومة. صيغت استشرافاً للمخاطر المتأتّية من الشيطان وليس أي شيطان، إنّما الشيطان الأكبر، أي الولايات المتحدة الأميركية، وتحضيراً لأيّ مواجهة قد تطرأ بين الله من خلال حزبه وذاك الشيطان الأميركي.

من خلال نظرة معمّقة الى واقع الأمور يتبيّن لنا وضوح الشمس الاختلال الفادح على الصعدة كافة في الموازين والاحجام بين الفريقين.
في أميركا هناك شعب، وفي تاريخ ليس ببعيد، ومن مستعمرة عانت حرباً أهلية دموية، أوجد الأميركيون دولة من العدم، وصاغوا دستوراً ليكون مثالاً يُحتذى به من قبل الآخرين.

شعب لدولة خاضت الحربين العالميتين وانتصرت بهما فارضةً نفسها “قوّة عظمى” وحافظت على انطلاقتها رغم مزاحمتها خلال عشرات السنوات بحرب باردة استنزافية، وبقت صامدة. دولة، تمتاز برأسمالها وميزانيتها التي تفوق كلّ ميزانيات دول العالم، وتتمتّع بأكبر قوّة عسكرية واقتصادية اجتازت من خلالهما بقعتها الجغرافية ليمتد وجودها ونفوذها من أقصى الشرق لأقصى الغرب، حتى صيّرت قرارها الأكثر تأثيراً في المحافل الدولية أجمع، لا بل في القضايا الداخلية للكثير من دول العالم.

دولة ثقّفت شعبها ليخضع للقوانين والأنظمة احتراماً لا مهابةً، حتى تمثّل الآخرون به.

هذا الشعب تخطّى العنصرية قولاً وتشريعاً وسلوكاً فاختار رئيساً ينتمي عرقيّاً الى فئة الأقلية ليحكم البلاد ويمثّلها أمام الآخرين، وأوجد لنفسه الاستقرار والثراء والتطوّر والراحة والتمتّع بالحياة والشهرة، واجتاح بهم العوالم، الحليف والعدو والحيادي، حتى أضحت إنجازات علمائه وممثّليه ومطربيه ورياضيّيه ومذيعيه على لسان كلّ من أبصرت عيناه النور على وجه الأرض. ولم يكتفِ فاجتاز المعابر والحدود، لا الأرضية فقط، إنّما اجتاح الفضاء ليكون من بينه أوّل من وطأ سطح القمر، ويواصل يوميّاً عملية اكتشاف الكون الواسع.

أمّأ الثاني، فهو حزب لا دولة، تكّون خلال حرب أهلية على أساس مذهبي عقائدي استشهادي، أُوجد لغاية تنفيذ سياسات مموّله على حساب البلد الذي يفترض ان يكون منتمياً اليه. جمهوره تميّز بالفوضوية في مجتمعه، من ازدحام سكاني، وخوات واستقواء على بعضهم البعض وعلى الآخرين وعلى الدولة التي تحتضنه، فأجبرها على تغطية أفعاله ودفع ثمن قراراته التي استفرد بها بناءً لتعليمات خارجية، ومازال.

حزب مطعون بشرعيته بين باقي مكوّنات المجتمع في الداخل، فهو حزب عربي، منبوذ عربيّاً، مكروه عالمياً، عادى ويعادي منظّمات ودولاً غربية كبرى لها تأثيرها في القرارات الدولية.

حزب صبغ جمهوره بفكر الاستقواء والتعدّي على الشرعية بحجّة قضية، خلقها المموّل وسمّاها مقاومة وجعل لها أهداف تتحوّل عبر الزمن بتغيّر المصالح، من مقاومة عدو محتلّ، الى تحرير أرض عربية جارة أو شقيقة، قسم كبير من شعب البلد الذي نشأت فيه إمّا يعاديه وإمّا لا يتّفق معه عقائديّاً او ينافسه.

ومؤخّراً صارت المقاومة التي تستنزف شباب الوطن من خلال أفكارٍ مستوردة، تقاوم عدوّاً قديماً جديداً في بلد عربي آخر دون إذنٍ أو رادع. هذا الحزب بعنصريته أضعف الدولة، اعتدى على شرعيّتها، خرق دستورها وميثاق العيش فيها، أضرّ باقتصادها وسمعتها عبر إيهام شعبه بمبادئ وعقائد مستجدّة دخيلة عليهم، ليضحّي بهم، ويدرّبهم على القتال لا العلم، على العنترة والاستقواء لا على احترام القوانين والأنظمة، حزب الامر الواقع المتّهم بتصفية من يخالفه الرأي، حزب بعكس ما يدّعي، مرتهن ومقيّد، جسر العبور من الدولة الى اللّادولة.

وهكذا نكون أمام طرفين متنازعين. من جهة أولى حزب المليون ونصف المليون مؤيّد، بقدرات محدودة وضمائر مجيّرة وقرار مرتهن، يعادي ويحوّل أنظاره الى بلد الثلاثماية مليون مواطن، بقدرات جبّارة، وضمائر خلّاقة، وقرارات حكيمة وحرّة، وينادي بصوت عالٍ: أمريكا الشيطان الأكبر! الموت لأمريكا!

وهذه من العقائد التي يزرعها في أذهان جمهوره ليكرهوا، ويستعدّوا لما هو أسوأ، أي مجابهة هذا الشيطان يوماً ما.

لو أنّنا أبعدنا الحقد والعدائية العمياء لوهلة، ودرسنا المعطيات الحقيقية لوجدنا الفجوة كبيرة بين الفريقين لناحية الاحجام والقوى والمعايير كلّها.

وفي حال المواجهة بينهما لتخليّنا، طوعاً وفوراً، عن أديانناً: فكيف لـ”شيطانٍ” ان يكون أقوى وأكبر وأعظم من “الله”، وكيف لجمهور “الشيطان” وبجهد ضئيل، ان يهزم جمهور “الله”!؟

السابق
ماذا بعد سحب السفراء؟
التالي
مسؤول امني سابق لـ’النهار’ : الخاطفون محميون من سياسيين واحزاب