“اليوم، غدا” في القاهرة (1) الإخوان “اختفوا”، والكل متردد

أين الأخوان المسلمين؟
هذا السؤال طالعنا منذ اللحظة الأولى لوصولنا إلى مطار القاهرة، وبقي معنا طيلة الرحلة التي دامت نيفاً وأسبوع.
السؤال لاعلاقة له فقط بغياب أي تحركات وتظاهرات إخوانية في شوارع القاهرة وميادينها (على الأقل خلال الفترة التي أمضيناها هناك)، بل أيضاً في” تبخُّر” أي ذكر لهذه الجماعة التي كانت قبل أشهر قليلة شاغلة الدنيا والناس، والمتربعة على عرش مصر وبرلمانها والعديد من مؤسساتها.
حين تسأل سائقي التاكسي عن الإخوان، يجيبون تقريباً برد واحد “الله يرحمهم”. وحين تطلب من القادة السياسيين والحزبيين الذين التقيناهم تفسيراً، تجدهم هم أنفسهم مفاجئين بعدم ورود الأخوان إلى أذهانهم، على رغم أن خطر تفكك الجماعة وتحوّل العديد من أجنحتها إلى العنف احتمال وارد، خاصة وأن 20 ألفاً من كوادرهم خرجوا بين ليلة وضحاها من القصور إلى السجون.
الأرجح أن سبب هذا الغياب، أو التغييب، هو أن مصر والمصريين مشغولون هذه الأيام حتى الثمالة.
مشغولون بماذا؟
بالانتظار:
فهم ينتظرون أن يحسم المشير عبد الفتاح السيسي قراره بالترشح أو عدم الترشح. وكذا الأمر مع الجنرال سامي عنان، الذي يقال أنه يحظى بمباركة الإخوان ودعمهم.
والأهم أنهم ينتظرون من أي طرف سيمتطي ظهر نمر السلطة المصرية أن يحقق لهم بضربة واحدة الأمن الأمني، والاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، بعد أن أصابهم التعب من الانتفاضات، وأحبطتهم التجربة الديمقراطية مع الإخوان.
ولأن انتظارهم هذا يحمل في طياته توقعات عظام، تسري الأحاديث الكثيفة عن تردد كبير ينتاب المؤسسة العسكرية حول ترشيح رأسها (السيسي) لمنصب الرئاسة، وعن استمرار تردد السيسي نفسه في الترشح.
الأسباب واضحة: الأزمات الاقتصادية- الاجتماعية هائلة. وجهاز الدولة القديمة الذي يفترض به أن يقود أي تنمية انتاجية ذي معنى، تحوّل إلى إقطاعات متنافسة العديد منها مرتبط بأقطاب الرأسمالية الماركانتيلية الذين برزوا وترعرعوا في العقود الأربعة من حكم السادات- مبارك. هذا إضافة بالطبع إلى ارتباط الاقطاعات بأجهزة أمن هذه الدولة القديمة.
المؤسسة العسكرية، التي تُدرك هذه المعطيات، تخشى أن يتمدد فشل السيسي المحتمل كرئيس في دفع التنمية قدماً إلى الأمام، إلى صفوفها فيحمَّل الجيش ككل المسؤولية. وحينها قد تفتح الأبواب والنوافذ على مصراعيها أمام التساؤلات والمساءلات حول دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد.
ويوضح لنا مصدر قريب من السيسي ان هذا الأخير نفسه متنازع بين قوتي جذب إثنتين ضاريتين. إذ هو يتعرض إلى ضغوط قوية من تحت (الطبقات الشعبية والوسطى) لإحداث نقلة نوعية في النظام المصري اقتصادياً وسياسياً، وإلى  ضغوط قوية أيضاً من فوق (رجال الاعمال وبيروقراطية الدولة) لإعادة انتاج نظام مبارك وإن بحلَّة شعبية جديدة.
كلا الخيارين أحلاهما مر، لأنهما يتضمنان معارك طاحنة قبل أن يتمكن أي نظام جديد من شق طريق جديد لمصر جديدة.
وهذا ماقد يدفع إلى الاستنتاج أن القادة السياسيين، أو العديد منهم على الأقل، يمارسون هم كما مواطنيهم العاديين لعبة الانتظار.
– II –
طرف واحد فقط في كل مصر يرفض هذه اللعبة: فئة الشباب، التي كانت الدينامو الحقيقي لكل الانتفاضات المصرية الاخيرة. فهؤلاء بكل أطيافهم وألوانهم لما يتعبوا بعد، ولا يقبلون بأقل من نظام ثوري جديد يقطع كلياً مع الأنظمة السابقة، ويؤسس لوطن جديد ودولة متطورة. هم لايعرفون كيف، لكنهم يعرفون أنهم يريدون.
الشباب هؤلاء باتوا “وجع رأس” حتى لأحزاب المعارضة، بسبب حركيتهم واندفاعهم. وينتظر أن يكون لهم دور فاعل لاحقاً في تقرير الوجهة التي ستسير إليها الامور في مصر، سواء باتجاه إعادة انتاج دولة مبارك الأمنية- الماركانتيلية على رفاة الثورتين، أو إقامة دولة حديثة تستند إلى قطاعات انتاجية استراتيجية كتلك التي أقامتها دولة جمال عبد الناصر.
أين السيسي من كل هذا الذي يجري؟

 

السابق
الإمارات تتهم حزب الله بتدريب قاتل أحد ضباطها في البحرين
التالي
“Just Wash” تطلق حملة لترشيد استخدام المياه