تقاطعت المصالح.. فانفجرت بين بعبدا والضاحية

الرئيس سليمان

ما أن انتهى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من القاء كلمته، في مؤتمر “أرضي غد واعد”، حتى استعاد الخط الساخن الذي يربط الضاحية الجنوبية بالرابية حرارة الاتصالات، في ظل ما وصفته قوى الثامن من آذار بالخطاب المرتفع السقف الذي ينسف الحوار الدائر حول البيان الوزاري ويعيده إلى المربع الصفر، لا سيما أن التشكيك بمعادلة الأرض والجيش والمقاومة بالنسبة لهذا الفريق هي بمثابة الانقلاب على ما كل ما حققته المقاومة من انجازات على مستوى الصراع العربي الاسرائيلي.

غير أن لرئيس الجمهورية، وبحسب ما ينقل عنه  مراقبون، وجهة نظر أخرى لا بد من التوقف عنها، فالرئيس سليمان يشعر أن الأمور خرجت عن منطقها بعد أن تحول الصراع العربي الاسرائيلي إلى قميص عثمان وانشغلت الدول العربية بأزماتها الداخلية وصراعاتها على السلطة، بيد أن لبنان الداخل بقوة على خط المحاور يحتاج إلى أكثر من سياسات ضيقة، بل إلى الخروج منها بأقل ضرر ممكن في ظل تحولات اقليمية ودولية كبيرة لا تأخذ وزناً للدول الصغيرة على غرار لبنان الذي يشكل الحلقة الأضعف في التركيبة الراهنة، فهو من جهة تحول إلى صندوق بريد لا يحوي سوى الرسائل المتفجرة، ومن جهة ثانية إلى ساحة مفتوحة على الاحتمالات كافة بما فيها الانهيار الكامل، وبالتالي فإن الحكمة تقضي بالخروج من زواريب التعابير طالما أن الدول الكبرى والتسويات الدولية هي التي ترسم مسار الدول المتلقية لصدمات الصراعات الأكبر.
في المقابل، جاء رد “حزب الله” ليعبر عن مشهد مختلف وعن وجهة نظر مغايرة بالكامل، فالحزب وبحسب ما يقرأ المراقبون لا يمكنه القبول بالتنازل عن مكاسب ونقاط ربحها في الميدان السوري لا سيما مع اشتداد لعبة عض الأصابع في مرحلة تتحول فيها الحرب الروسية الاميركية تدريجياً من حرب باردة إلى حرب مباشرة تمتد من سوريا إلى أوكرانيا مروراً بلبنان والعراق، خصوصاً أن كلام سليمان ومواقفه المتقدمة جاءت في أعقاب تطورات ميدانية وسياسية متصلة تجلت بدخول اسرائيلي مباشر على خط الصراع السوري الذي يشارك فيه “حزب الله” ميدانياً، وتالياً  تطور الصراع وامكانية تحوله إلى مواجهات مباشرة بين سوريا و”حزب والله”  من جهة واسرائيل من جهة ثانية، خصوصاً بعد أن عمدت الدولتان إلى ازالة الألغام من المنطقة العازلة في الجولان المحتل ما ينذر باشتعال الجبهة في ظل مشروع اسرائيلي لاقامة حزام أمني هناك، على غرار ما قامت به في سبعينات القرن الماضي على حدودها مع لبنان، أي تكرار تجربة “الجيش الحر” أو “الجيش اللحدي”، ولكن مع “الجيش السوري الحر” هذه المرة، بما يستوجب المزيد من هوامش الحركة يحتاجها الحزب بشكل أو بآخر.
هذا لا يعني أن السجال الأخير بين بعبدا والضاحية سيتطور إلى مواجهة سياسية حتمية بينهما في ظل اختلاف بالحسابات السياسية، فصحيح أن فريق الثامن من آذار برمته يعول على انتخابات رئاسية في موعدها، لكن الصحيح أيضاً أن تسارع التطورات الدولية والاقليمية قد ينسف كل التمنيات والمشاريع فالصراع الحقيقي هو أكبر من لبنان ومن موقع الرئاسة ومن “حزب الله” مجتمعين، وهو يدور بجوهره حول ادارة العالم الجديد اقتصادياً وسياسياً، وبكلمة أوضح هو صراع على الغاز والنفط وكل ما يتصل به من معابر ومردود اقتصادي على الدول العظمى التي تحاول الاستفادة من واقع الدول الصغيرة ومن ثرواتها الطبيعية ومن واقعها السياسي والديمغرافي المتحول، في ظل جيوساسية جديدة تؤسس لها نتائج الصراعات وتعمل الادارت الكبرى على رسم معالمها عاجلاً أم آجلاً.

السابق
سقوط 11 قتيلا في هجوم انتحاري على محكمة في اسلام اباد
التالي
الضاحية تلوّن وتعزف