هل المشكلة في النظام السياسي أم في عقول اللبنانيين؟

لا يمكن لأي نظام سياسي أن يغير من واقع ما نعيشه طالما أنّ العقول أسيرة التعبئة الطائفية ويسيطر عليها فكر الالغاء وعدم الالتقاء مع الآخر. فكي نغير واقعنا يجب أن نغير طرق تفكيرنا وننتقل من المنهج الطائفي الى المنهج المدني الوطني حيث الولاء للبنان فقط.

دائما يبحث الانسان عن سبل راحته وأمنه واستقراره، والمواطن اللبناني إنسان يعيش في أجواء التوتر واللاأمن واللاإستقرار، تشغله أوضاع موطنه الأمنية والاقتصادية والسياسية، أسير هاجس التفجيرات والمناوشات العبثية، والحقن الطائفي والتعبئة السياسية المرتكزة على مبدأ الخوف من الآخر.

الخوف من الآخر جعل لبنان مناطق مقسمة طائفيا وحتى جغرافيا، يتكلم أهلها بمنطق العداوة والشماتة وكأنهم أعداء لا يستطعون تقبل بعضهم البعض او العيش جنبا الى جنب.

فالدولة غائبة ومؤسساتها معطلة والنظام السياسي بدائي عشائري، كل يغني على ليلاه، مجتمع مقسم، وأولويات شعبه مشتتة والبوصلة متعددة الاتجاهات، ضائعة في بحر الخلافات، ولتشكل حكومة يجب أن يساوم رجال السياسة على الحصص شهور ويعطل البلد وتعلق خدمة الشعب. ومن لم يحصل على ما يريد يوقف عملية التشكيل بشعار الحفاظ على حقوق هذه الطائفة أو تلك. وكي تتشكّل حكومة في هذا البلد، ان تشكّلت، يستلزمها أشهر أو ربما تتخطى السنة حتّى يتم ارضاء زعماء الطوائف جميعهم.

معظم مواطني الطيف اللبناني يقولون إنّ الخلل الأساسي والسبب الرئيسي لما نعيشه اليوم من حالة اهتراء مجتمعي وأمني وسياسي يكمن في النظام السياسي، الذي هو نظام يقوم على مبدأ المحاصصة الطائفية. هذا النظام الذي جعل من الطوائف كيانات أقوى وأصلب من كيان الدولة الجامعة، بل عملت هذه الكائنات الطائفية على نخر جسم الدولة ما أفرغها من جميع مقومات القوة والتماسك.

فمقولة “أيّ لبنان نريد” ما زالت تتردّد على ألسنة الكثير من فئات المجتمع اللبناني منذ قيام لبنان حتى يومنا هذا. فكل فئة تريد لبنان على هواها وتجذبها فكرة الاستقواء على الآخر وفرض رأيها ورؤيتها في تصورها للبنان.

حتّى فكرة الاستقلالية عن التبعية الخارجية لا تستهوي البعض. الكثير من هذه الفئات غير قادرة على اتخاذ قرار سيادي، فهي نشأت على فكرة التبعية والعيش بين أحضان جهات خارجية. والولاء للبنان يكاد يكون مفقودا بل ينعدم الاجماع على فكرة لبنان الكيان المستقل.

الاختلاف والخلاف واضح المعالم في جميع سياسات الدولة ومعالمها، من السياسات الخارجية الى سياسات الدفاع والأمن والاقتصاد. الاختلاف في مفهوم الحرية والحريات، في مفهوم الفنّ والرياضة وحتّى أنّ اللبنانيين يختلفون على الموقف من الفساد!

المشكلة أنه منذ قيام لبنان الى اليوم لم نجد ونعرف اي لبنان نريد. المشكلة اننا لم نبدأ بعد ببناء لبنان، فالشعب اللبناني بحاجة لبناء دولته وبناء الدولة يبدأ بوضع نظام سياسي حديث وحضاري وقادر على أن يتماشى مع واقع المجتمع وأسس هذا البلد.

البعض ينادي بالفدرالية، من زعماء الكيانات الطائفية. لكنّ الدولة الفدرالية، مثل سويسرا أو الولايات المتحدة الأميركية، تتبع أقاليمها كلّها سياسة خارجية ودفاعية واحدة، أما نحن في لبنان فالخلافات الاساسية تدور حول السياسة الخارجية والدفاعية وذلك سيؤدي الى التقسيم؟ وهل يحتمل لبنان أن يقسم أكثر؟ وهل نريد التقسيم فعلا؟ أم هي نكايات؟

قليلون ينادون بـ”إلغاء الطائفية السياسية”. وهؤلاء أبناء كيانات طائفية أيضا، ينادون بها كشعار سياسي وانتخابي لأنّ الغاء الطائفية السياسية سيلغي دورهم وزعاماتهم، وهم بطبيعة الحال لم يعملوا بشكل جدي لتنفيذها.

قليلون أيضا ينادون بالدولة المدنية. وهي أفضل الحلول. لكن هل سيتوصلون إلى تحقيق مبتغاهم؟ في حين تسيطر على معظمهم نزعات طائفية؟ وهل يمكن أن يتحقق نظام الدولة المدنية في ظل جو ومناخ طائفي يحيط بمفاصل يوميات الانسان اللبناني؟

لا يمكن لاي نظام سياسي أن يغير من واقع ما نعيشه طالما أنّ العقول أسيرة التعبئة الطائفية ويسيطر عليها فكر الالغاء وعدم الالتقاء مع الآخر. وحتّى نغير واقعنا يجب أن نغير طرق تفكيرنا وننتقل من المنهج الطائفي الى المنهج المدني الوطني حيث الولاء للبنان.

السابق
تعاونٌ إستخباري خليجي وراءَ الإنجاز الأمني اللبناني
التالي
أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب في التشكيلة ما قبل النهائية