إيران الجائعة.. هل يشبعها انتظار الامام الغائب؟

ايران

بعد مرور 35عاما على انتصار ثورة ايران الاسلامية في شباط 1979، تتصدر المشهد الايراني الداخلي احتجاجات شعبية على طريقة توزيع المعونات الغذائية من قبل الحكومة، بسبب انتظار الايرانيين في الطوابير الطويلة امام مراكز التوزيع للحصول على حصة غذائية. تسعة ملايين حصة غذائية وعدت حكومة الرئيس حسن روحاني بتوزيعها على العائلات الفقيرة التي يقل دخلها عن 125 يورو شهريا، اي نحو 200 دولار فقط، مع حلول رأس السنة الفارسية في 20 آذار.لا يختصر هذا المشهد ايران وثورتها بالتأكيد، لكن الجمهورية الاسلامية الايرانية طرحت، منذ بداية ثورتها، المشروع الثالث البديل عن الرأسمالية والاشتراكية. وبشرت بالصحوة الاسلامية والاستقلال والتنمية وانهاء الاستبداد والفقر. وحصدت في بداياتها التفافا اسلاميا تجاوز الدائرة الاسلامية الشيعية. بل كان تعاطف الحركات الاسلامية السنية مع الثورة الايرانية يفوق بدرجات كبيرة تعاطف الحركات الشيعية السياسية والدينية التي بقيت حذرة فقهيا واجتماعياً من هذه التجربة غير المسبوقة. بعد 35 عاما من الثورة، يبدو ان التجربة الثالثة ومشروع الصحوة الاسلامية قد اصيبا بنكسة كبرى. فلا العالم الاسلامي تقدم في الركب الحضاري، ولا تجربة النظام الاسلامي نجحت في تقديم نموذج بديل يغري بالاتباع والتقليد، سواء من غير المسلمين، او من المسلمين انفسهم فقط.
… بعد 35 عاما ها هو مشروعها الاسلامي الوحدوي يسقط في الفخ المذهبي.. او اسقط فيه. اذ صار الانقسام اليوم حول نموذجها محوره البارز مذهبيا في العالم الاسلامي، بعدما اظهرت هذه التجربة عجزاً عن الرد على التحديات الخارجية والحضارية، وفقدت الالتفاف الاسلامي العام الذي نشأ حولها. اذ لم تكن هويتها الاسلامية الشيعية عائقا او حائلا دون تأييدها او الانتماء لها على امتداد العالم الاسلامي، كما هو حالها اليوم.
مع انكفاء المشروع الاسلامي البديل الذي طرحته الثورة الايرانية في بداياتها، باتت قيادة الثورة اليوم اكثر انهماكاً بحماية النظام الاسلامي في السلطة، من خلال المزيد من الاندماج بمشروع الدولة الايرانية. لذا لم يعد يضير القيادة الايرانية ان ترسخ نفوذها من بوابة الدولة القومية، وعبر الهوية الشيعية. تلك التي دفعت قيادتها الى ان تنفق مليارات الدولارات سنوياً على أحزاب ومنظمات تابعة لها في الخارج، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والأحزاب السياسية الموالية لها في العراق، فضلا عن الـ20 مليار دولار التي تدفعها سنوياً لتمويل نظام بشار الأسد.
هذه الهوية المذهبية السياسية، التي تتمظهر في الاستقطاب وفي النفوذ الخارجي، يتعاظم شأنها كأداة للرد على التحديات الداخلية، وفي محاولة الرد على الاسئلة الصعبة في الاقتصاد، والسياسة. فقد نقل موقع وكالة أنباء “تسنيم”، القريبة من الحرس الثوري، دعوة ممثل مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية في مؤسسة الحرس الثوري آية الله علي سعيدي، خلال كلمة ألقاها (السبت) في تجمع بمدينة بوشهر (جنوبي البلاد).. دعا النظام الإيراني إلى استخدام المظاهرات والمسيرات تمهيداً لظهور المهدي المنتظر. كما طالب بتحويل “دعم القضية الفلسطينية والوقوف بوجه أميركا” إلى وسيلة تمهد هي الأخرى لظهور “إمام العصر”، على حد قوله.
ليست ايران دولة فاشلة اذا ما قيست في محيطها، رغم الازمات الاقتصادية التي تعيشها. وذلك لاسباب شتى، منها العقوبات، تلك المفروضة على دولة جعلت العداء للغرب وسياساته اساس استراتيجيتها الثورية. لكنها بالتأكيد فشلت في تقديم ما وعدت به على مستوى التحدي الحضاري، اي تقديم النموذج الاسلامي البديل والمتقدم، في الحكم والادارة والاقتصاد. بل ظهر ان نموذجها الاسلامي على هذا الصعيد متخلف اذا ما قيس بنموذج منافسها الحضاري والتاريخي: تركيا العلمانية.
إيران الاسلامية اليوم تعيد الاولوية الى الدولة القومية، والنظام الاسلامي فيها يحاول ان يحتمي في الداخل بنظام مصالح الدولة التاريخية، لذا يمكن فهم معنى انتخاب روحاني، وتأييد “المرشد” له في سياساته الانفتاحية على الشياطين. ففي مؤتمر دافوس اخيرا كان روحاني يعلن بوضوح أمام 2500 سياسي واقتصادي من قادة النظام الرأسمالي العالمي أن بلاده تنوي السير على درب الاصلاح والانفتاح والتعاون. وهناك قال: نحن مستعدون لفتح إيران أمام الاستثمارات الخارجية، خصوصاً في صناعات السيارات والنفط والغاز والبتروكيماويات والطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية والتعدين. وهو أبلغ رؤساء تنفيذيين في شركات نفط وغاز، بينها «إيني» و «بي بي» و«توتال» و«رويال داتش شل»، أن إيران ستضع بحلول أيلول المقبل «نموذجاً استثمارياً» جديداً وجذاباً لعقود النفط، سعياً إلى تشجيع الشركات الأميركية والغربية الكبرى على العودة إليها. وتعهد أن تنتهج إيران «سياسات اعتدال وتعقّل وأمل في الاقتصاد العالمي»، وأعرب أخيراً عن أمله بتطبيع العلاقات الاقتصادية التاريخية العميقة مع أوروبا، لافتاً إلى أن العلاقات الإيرانية- الأميركية «دخلت مرحلة جديدة». وكرّر أن من أولويات حكومته “التعامل البنّاء مع العالم”.
بين مشروع روحاني ومشروع الحرس الثوري، ليس الخلاف على النفوذ الخارجي لايران، بل هي طوابير تزداد من الفقراء الايرانيين، لن تكفيها او تسد رمقها دعوات انتظار الامام الغائب.

السابق
ممثلة حسناء تلهب «سوق» الترشيحات لرئاسة الجزائر
التالي
اﻻمن الداخلي: توقيف محمد نحيلي الذي تعرض لزوجته منال عاصي بالضرب ما أدى إلى وفاتها