تلاميذ الضاحية يتابعون الأخبار بدل دروسهم!

تلميذ يشاهد التلفاز
تقول المربية المدرسية إنعام الفقيه في حديث لـ"جنوبية" إنّ "للأطفال سياستهم وتحليلاتهم وقراءاتهم للواقع"، وتشدّد على أنّ "التلاميذ في الضاحية يتابعون نشرات الأخبار أكثر من دروسهم". هي الضاحية حيث تراجع عمل سائق التاكسي بنسبة 75 % وباتت الشوارع خالية إلا من العابرية مضطرين، خوفا من التفجيرات، فكيف تغيّر سلوك أطفالها وتلامذة مدارسها؟

الانفجارات المتنقلة في لبنان، وما تركته وراءها من موت وحزن ومآسي لدى سكان الضاحية الجنوبية والمناطق الاخرى التي طالتها يد الاجرام والارهاب، لم تستطع ان تغتال ارادة الحياة والبقاء، رغم ما تركته من آثار سلبية، وظروف قاسية بات يعاني منها الناس بكل جوانب حياتهم، أهمها الخوف والشائعات والحالة الاقتصادية والمعيشية والنفسية.

وقد كان لها تأثيرا كبيرا على الجميع. لكنّ التأثير الاكبر والمخيف كان على حالة الطفل النفسية التي بدورها انعكست على دراسته. باص المدرسة ينتظر صباحا، ومريم ابنة الست سنوات، تبكي وتتشبث بثياب والدتها قائلة: (ما بدي روح عالمدرسة، ما بدي موت واحترق بالانفجار.. المتفجرة ناطرتني عالطريق ما تتركيها تاخدني يا ماما)!

هذه حال الكثير من الاطفال والاهل بعد حوادث التفجير. لو ان هذه الطفلة تستطيع ان تدرك شعور اهلها، لعرفت حجم الخوف الذي يفتك بقلوبهم، وهم يرسلونها الى المدرسة مرغمين وكأنهم يودعونها الوداع الاخير .

 اي نهار مدرسي ينتظر طفلا تلتصق بذهنه صور الموت والاشلاء، واحاديث سمعها عن توقعات لانفجارات جديدة؟

كان لـ”جنوبية” حديث مع انعام الفقيه، وهي مربية في متوسطة حارة حريك الرسمية حول وضع التلاميذ السلوكي والنفسي والدراسي بعد التفجيرات الاخيرة: “للاطفال ايضاً سياستهم وتحليلاتهم وقراءاتهم للواقع السياسي والامني، فالخطاب الطائفي ينعكس بأوضح تجلياته في احاديث الصغار، ويهزأون منك اذا حدثتهم عن السلام والمستقبل. والسؤال الذي لا ينفكون عن توجيهه: (بدو يصير انفجارات جديدة يا مِسّ؟)”.

وأوضحت: “بعد التفجيرات  بدأت الاحظ ان سلوك التلميذ تغيّر، لم يعد يلعب كما في السابق، أصبح تبادل الحديث عن الانفجارات وسرد ما شاهده على التلفزيون وما سمعه من اخبار، هو الامر الوحيد الذي يشغله، اصبح التلامذة يحفظون نشرة الاخبار اكثر من دروسهم، يتابعون بدقة ما ينشر على صفحات الانترنت ووسائل الاعلام، ومقاطع الفيديو عن فظائع التكفير والإجرام. يتبادلون حديث السياسة واسماء الزعماء والمسؤولين ..واحياناً تحصل بينهم خلافات تصل الى حد التضارب”.

إذا أحلامهم اتخذت منحى مخالفاً لتفكير الاطفال الطبيعي قالت لي تلميذة في العاشرة من عمرها: “اتمنى ان اموت في انفجار لاكون شهيدة ويتكلمون عني ويضعون صوري في وسائل الاعلام والطرقات”.

وتضيف الفقيه: “أصبحت ألاحظ تدنٍ في معدلات النجاح خلال فترة الانفجارات. لم يعد لدى التلميذ صفاء ذهني وتركيز على الدروس بسبب ما يعيش من احداث حوله”. وتابعت: “وأكثر ما آلمني هو عدم اهتمام التلاميذ بالنشيد الوطني واحيانا اثناء لعبهم ينشدونه بطريقة ساخرة: كلنا للبصل”، وعند التأنيب يقولون: “ماذا فعل لنا النشيد هل منع عنا وعن اهلنا المتفجرات؟!”.

الإنسان مجبر على الخروج الى عمله، وبات يعتبر ذلك “مغامرة” كما قال لنا الكثير من الناس الذين التقيناهم. شبح الموت والتفجير يلاحقه، يرتجف قلبه كلما شاهد سيارة متوقفة على جانب الطريق. ويصبح هذا الشبح جاثما على صدره كلما توقف في زحمة سير، يتخيل أن هناك “انتحارياً” ينتظر بسيارته بين السيارات في الزحمة ليحصد اكبر عدد من القتلى. ما يكاد يصل الى عمله حتى تكون اعصابه قد اصابها التعب.

وهذا ما جعل نسبة تناول ادوية الاعصاب ترتفع بشكل ملحوظ، وأجمع على ذلك عدد من الصيادلة قائلين: “الطلب على الادوية المهدئة والمسكنات خاصة ادوية الصداع ارتفعت بنسبة عالية خاصة بعد كل تفجير”. فما بالك بالأولاد والمراهقين؟

السابق
شباط الصيداوي: حدثان تاريخيان.. بلا اغتيال الحريري
التالي
تحركات معادية عند اطراف الوزاني