شباط الصيداوي: حدثان تاريخيان.. بلا اغتيال الحريري

حدثان مهمان في تاريخ صيدا صودف مرورهما خلال شهر شباط، يفصل الحدث الأول عن الثاني، عشرة أعوام كاملة، والرابط بينهما المدينة الواحدة وتاريخها الوطني. الحدث الأول، هو اغتيال الزعيم الصيداوي الشعبي معروف سعد في 26 شباط 1975، والحدث الثاني، هو الانسحاب الاسرائيلي من مدينة صيدا في 16 شباط 1985 بعد احتلال دام عامين وثمانية اشهر وعشرة ايام. لكنّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإن كان علامة فارقة في تاريخ لبنان والعالم العربي ربما، إلا أنّه ليس "حدثا صيداويا"، رغم أنّ الحريري ولد وعاش جزءا من حياته في صيدا.

حدثان مهمان في تاريخ صيدا صودف مرورهما خلال شهر شباط، يفصل الحدث الأول عن الثاني، عشرة أعوام كاملة، والرابط بينهما المدينة الواحدة وتاريخها الوطني. الحدث الأول، هو اغتيال الزعيم الصيداوي الشعبي معروف سعد في 26 شباط 1975، والحدث الثاني، هو الانسحاب الاسرائيلي من مدينة صيدا في 16 شباط 1985 بعد احتلال دام عامين وثمانية اشهر وعشرة ايام.

ارتبط تاريخ معروف سعد بتاريخ المدينة، فهو الشاب الطالع من عائلة تعمل في الزراعة، نال من التحصيل العلمي  ما مكنه من العمل كأستاذ عام 1936 في فلسطين، ومن هناك ساهم بالثورة الفلسطينية التي استمرت حتى عام 1939، خلالها عاد إلى لبنان، ليمد يد المساعدة إلى الثوار الفلسطينيين. ويذكر المرحوم شفيق الارناؤوط في مقابلة أجريتها معه ولم تنشر “أن السلاح كان يأتي إلى صيدا، يتسلمه معروف في محلة القياعة حيث ينظف ويوضب وينقل إلى فلسطين دعماً للثوار”.

وفي 1948 تطوع معروف سعد وثلة من شباب مدينة صيدا للقتال دفاعاً عن فلسطين وعروبتها، وحقق ورفاقه انتصاراً كبيراً على العصابات الصهيونية في بلدة المالكية، التي تسلمها جيش الانقاذ وعاد وسلمها للعصابات الصهيونية.

وفي خمسينات القرن الماضي صار ظابطاً في شرطة بيروت، لكنه رفض قمع تظاهرة عمالية- شعبية في بيروت، مما أدى إلى عزله وارساله بدورة تدريبية إلى الخارج، وعاد إلى صيدا، وانتخبه أهلها نائباً عنهم ممثلاً للاتجاه العروبي التقدمي المعادي لحلف بغداد آنذاك.

عام 1958 استطاع مع رفاقه ومحبيه تجنيب صيدا أية معارك ابان الحوادث التي جرت آنذاك. وفي ستينات القرن الماضي وعند انطلاقة الثورة الفلسطينية، رعى معروف سعد وساعد معظم عمليات الاستطلاع ودوريات القتال التي انطلقت من الحدود اللبنانية. وكانت علاقته مباشرة مع أبو علي اياد المسؤول المباشر عن العمليات العسكرية.

مواقفه من قضايا الناس المعيشية لم تتغير، على الرغم من تغير موقعه الشعبي والرسمي. ظل منحازاً للطبقات الفقيرة حتى اغتياله خلال مشاركته في تظاهرة صيادي الأسماك في صيدا.

كان علمانياً وغير طائفي، وهو الزعيم الشعبي الصيداوي، والدته من بلدة درب السيم، وكان يقبل الآخر كما هو، يستمع لكل الآراء ويحترم الاختلاف ويحاول أن لا يتحول إلى خلاف.

يوم خسارته، كان يوماً حزيناً للمدينة التي سارت بأكملها عند تشييعه، وكان 26 شباط يوماً لا يمكن أن ينسى في تاريخ المدينة.

وفي حزيران 1982، احتلت اسرائيل مدينة صيدا، ونكلت بأهاليها، تصرفت معها كمدينة معادية بالكامل، استطاعت احتلالها بالقوة، لكنها لم تستطع أن تسيطر على قرارها الوطني، تاريخ المقاومة المدنية للاحتلال بحاجة إلى نقاش وتبصر، وكيف ارتبط نضال الشباب المقاوم ضد قوات الاحتلال مع الموقف السياسي المتنامي والمعادي للاحتلال.

في الذكرى الأولى للاحتلال جرى الاعتصام الأشهر في تاريخ المدينة في جامع الزعتري، ما جعل الاحتلال يفقد أعصابه ويوجه كلابه على المعتصمين.

لم تُحرر المدينة بالعمل العسكري الكثيف فحسب والذي حوّل شارع رياض الصلح إلى شارع هوشي منه كما أطلق عليه بعض وسائل الاعلام، بل حُررت المدينة عندما حافظت على موقعها وموقفها الوطني ورفضت أي تنازل أمام الاحتلال.

في تشرين الثاني 1984 كان واضحاً أن اسرائيل بصدد الانسحاب بعد عجز لواء غولاني، وهو نخبة جيش الاحتلال، من السيطرة على المدينة، وصار الانسحاب مسألة أيام وأسابيع. إلا أن اسرائيل أرادت احداث صدمة تؤدي إلى كارثة في المنطقة بعد انسحابها وتقاطعت مصالحها مع آخرين محليين وإقليميين، فكان الانفجار قرب منزل مصطفى سعد الذي أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين ومنهم ابنة مصطفى ناتاشا وإلى فقدانه نظره. إلا أن هذه الكارثة لم تفت من عضد أهل المدينة الذين أصروا على جلاء الاحتلال وانسحابه، فكان ذلك يوم 16 شباط 1985 عندما نزل أهل المدينة للتجوال بحرية بعد نحو 3 أعوام من السجن الكبير الذي أقامه جيش الاحتلال الاسرائيلي والذي كسرته ثلة من المناضلين اللبنانيين الذين قضوا في نضالهم ضد الاحتلال، فكان منهم من هو من المدينة وآخرون من خارجها لأنها كانت مدينة الوطن.

وحدتها صانت تنوعها، فهل يمكن أن ننسى فضل سرور وابراهيم قوصان وياسر البخاري وغيرهم من المواطنين اللبنانيين الذين قضوا ضد الاحتلال في صيدا؟ لتطوى صفحة بيضاء ناصعة من تاريخ المدينة.

المفارقة هي اليوم، أن مدينة الوطن المتنوع تحولت إلى مساحة جغرافية شأنها شأن المساحات الأخرى، يعيش فيها حشد من الناس يعتنقون مذهباً محدداً. فكيف ولماذا حصل ذلك؟ للحديث تتمة.

السابق
شمس الدين: النساء الضحايا مجرد أرقام!
التالي
تلاميذ الضاحية يتابعون الأخبار بدل دروسهم!