أحوال عرسال (1): صيت قندهار لبلدة مظلومة

بلدة عرسال
عرسال في الشمال الشرقي من لبنان، بلدة محكومة بموقعها الجغرافي على الحدود السورية، وانتماء أبنائها المذهبي الى أهل السنّة الذين يعيشون حربا مذهبية في سوريا، فكيف تعيش مع النازحين السوريين إليها، ومع 250 عائلة لبنانية نزحت من القصير إليها مؤخرا، و60 ألف نازح سوري إلى أقلّ من 50 ألف لبنان، ومع محيطها الشيعي في هذه الأيام الصعبة؟ وغدا حلقة ثانية عن انخفاض مهر الفتاة السورية الى أقلّ من إيجار منزل شهريّ.

نظر إلي صديقي محمد، شزراً وأدار ظهره وغادر المقهى، بعد أن طلبت منه مرافقتي يوم الميلاد إلى بلدة عرسال، لم ينبس ببيت شقة، غادر صامتاً. نظرته لم تكن بقسوة ردة فعل زميلة إعلامية عندما علمت أنني سأتوجه إلى عرسال، قالت: ستذهب إلى بلدة المجرمين؟ جملة تضمنت سمات الأحكام المسبقة التي تطبع علاقتنا بالآخر وتكون سبباً أساسياً للنزاع وصولاً إلى العنف. هذا إلى جانب ما يدفع إليه بعض وسائل الإعلام لوصف عرسال مقراً للإجرام.
تتخيل نفسك عند وصولك إلى مدخلها وكأن الملا عمر أو مصطفى أو محمد يستقبلك بلباسه الطالباني ممسكاً رشاشه بيده ويحيط به مجموعة من مرافقيه ذوي اللحى الطويلة. وفنية عرسال تلعب بدحرجة رؤوس الأعداء المقطوعة.عند وصولي إلى مفرق عرسال المتفرع من الشارع الرئيس عند اللبوة استوقفتني امرأة مع طفليها، وطلبت مني إيصالها إلى البلدة. سألتني: “من وين جايي”، أخبرتها أني من الجنوب، من مدينة صيدا. ابتسمت وقالت: ابن عمي كان في صيدا، ولما أجوا اليهود، (تعني الإسرائيليين)، وبقي هناك وقاتلهم مع المقاومة الوطنية، ورجّع للبلد عام 1987″. وأضافت: يمكن كان شيوعي من بيت الحجيري.نصل إلى مدخل البلدة عند تلة تشرف على الشارع الرئيس.
زحمة السير لا ترحم، عشرات الدرجات النارية تسير بسرعة على الرغم من الثلج الذي ما زالت بقاياه على الطرقات. يقودها رجال وخلفهم نساء وأطفال. توضح المرأة العرسالية: معظمهم من السوريين الذين حضروا وأحضروا دراجاتهم النارية معهم، لكن هذا، وتشير إلى إحدى الدراجات، أنه لبناني يقود الدراجة وبيده نرجيلة، يوصل النراجيل بناء للطلب”.
نصل إلى ساحة البلد، تشكرني السيدة وتدعوني إلى تناول كوباً من الشاي في منزلها. أعتذر وأتابع طريقي. وصلت إلى مركز الجمعية المقصودة باكراً، كان بابها مقفلاً، اضطررت للانتظار واقفاً بجانب السيارة. مرّ بي رجال ونساء جميعهم بادر إلى إلقاء التحية عليّ ودعوني لشرب الشاي أو القهوة من دون أن يسألني أحدهم عن هدف وجودي في هذا المكان.أتت هند وسميرة مسرعتان، تعتذران عن التأخير، ندخل إلى مركز الجمعية، أبادر بالسؤال: لماذا زحمة السير بهذا الشكل؟

تجيب هند: يبلغ عدد سكان عرسال نحو 45 ألف شخص، ونزح إليها 60 ألف سوري مسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وغير مسجلين، فهل تتوقع عدم وجود زحمة سير، وخصوصاً أن كثيراً من السوريين أحضر سياراتهم أو دراجاتهم النارية إلى هنا. وأدى ذلك إلى حصول حوادث سير عديدة وهذا ما حصل قبل يومين وأدى إلى حدوث وفاة.أسأل سميرة عن عائلتها فتقول إنها من آل عز الدين، وأسألها عن أحد العرساليين من نفس العائلة فتجيب: لا أعرفه، لأنني كنت أعيش في سورية، ونزحت مع النازحين.وتضيف سميرة: نحو 250 عائلة لبنانية من عرسال كانت تعيش في منطقة القصير نزحنا من هناك كما نزح الكثير من اللبنانيين، عدنا إلى بلدنا نازحين.
كنا نملك أراض ومزارع هناك، الآن وضعنا سيء جداً، لأن المفوضية السامية غير مسؤولة عنا، والدولة لا تسأل، والجمعيات الأهلية تقدم المساعدات للنازحين السوريين فحسب. معظمنا عاد ولا منازل لنا هنا، البعض استأجر منازل وهناك ثلاث أو أربع أسر تعيش في منزل واحد. وبعضهم يسكن عند أقربائه.

السابق
سعيد: لن نتهاون في انسحاب حزب الله من سوريا
التالي
مجاعة اليرموك: العالم أدار وجهه.. وحدها غزّة تضامنت