أميركا لم تعد الشيطان الأكبر.. وإيران تتقدّم في المنطقة!

اميركا ايران
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران لم يغب يوماً شعار "الموت لأمريكا الشيطان الأكبر" الذي أطلقه الإمام الخميني قائد تلك الثورة وملهمها. اليوم يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في مقابلته مع جان عزيز قبل يومين ما معناه إنّ الخلاف مع أميركا يمكن حلّه، وهو يختلف عن الخلاف مع إسرائيل!!

لقد شكل شعار “أميركا الشيطان الأكبر” العقيدة والأيديولوجيا التي حكمت حركة السياسة الخارجية الإيرانية لعقود خلت. واعتقل بسبب العماله لأميركا  وأُعدم العديد من المعارضين السياسيين، كما رسخت مفاهيم في وعي شريحة كبيرة من الشعب الإيراني الذي عُبّئ دينياً وإعلامياً وتربية لاستيعاب هذا العداء وتطويره باتجاه الخصوم والأعداء.

سياسة العداء لأميركا بدأها الإمام الخميني وأعلنها مع الأمر الذي صدر باحتلال السفارة الأميركية في طهران عقب انتصار الثورة عام 1979. وغدا هذا العداء المعيار الأساسي للقرب أو البعد عن إيران وسياستها في المنطقة. وقد ارتقت ايران في  سياستها بعد ضرب نظام صدام حسين وإضعافه في حرب الخليج الثانيه، وباتت سياسة “إقليمية” بامتياز.

واليوم فإنّ النفوذ الإيراني يبدو واضحاً في العراق وسوريا ولبنان، خصوصا لدى بعض الشرائح الاجتماعية والمكونات السياسية في الخليج، حيث الوجود الشيعي الأقلوي والمهمّش، الذي يثير بعض الاضطرابات أحياناً كما في شرق السعودية، ويثير أيضا القلاقل السياسية والثورات المحلية كما في البحرين.

كان على السياسة الإيرانية أن تنتظر أربعة وثلاثين عاماً كي تبدأ بالانحراف عن توجهها المعادي للغرب ولأميركا تحديداً.فمع مجيء الرئيس الأميركي الديموقراطي المعتدل باراك أوباما وتسلّم الشيخ البراغماتي حسن روحاني الرئاسة الإيرانية هذا العام ، قررت ايران انه استحقّ الآن بيع “الملف النووي” للغرب ونيل الاعتراف منهم بالدور والمشاركة في تقرير مستقبل المنطقة.

وقد ترافق ذلك مع ظهور الإسلام الجهادي السلفي ممثلا بـ”القاعدة” في دول الشرق الأوسط. فارتفع شعار العداء “للتكفيريين” بدلاً من شعار العداء لأميركا، خاصة مع التفجيرات الانتحارية التي طالت وتطال التجمعات السكانيّة الشيعية منذ سنوات من باكستان إلى العراق وسوريا إلى المتفجرة الأخيرة الانتحارية قبل أسبوعين، التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت.

ولكن إذا كانت المعركة ضد أميركا مكلفة اقتصادياً وسياسياً، فإن المعركة ضد التفكيريين، التي شملت بالمفهوم الإيراني محاربة الثورة السورية بكل فصائلها دفاعاً عن نظام حليفها الأسد، سوف تكون مكلفة اقتصادياً وبشرياً أيضاً، مع تساقط عشرات القتلى كل يوم وأحياناً المئات من المدنيين والعسكريين من جميع الفئات المتحاربة وبينهم عناصر من حزب الله وحتى مستشارين عسكريين إيرانيين في بعض الأحيان.

يضاف إلى هذا النزيف البشري نزيفا ماديا يودي بمليارات الدولارات الإيرانية كل عام، من تلك التي تصرف على تأمين السلاح والعتاد والخبرات الحربية للقوات النظامية السوريّة ولمقاتلي حزب الله اللبناني الذي ظهر أخيراً في المعارك على أنّه الداعم الأساسي لنظام الأسد. ولولا جهوده العسكرية والتنظيمية في المعارك لكان الحكم البعثي قد سقط منذ عام، بحسب ما يؤكّد العديد من الخبراء.

وكما إيران كذلك أميركا، فقد ضاقت سياسة أوباما بالدور الأميركي المترامي الأطراف في العالم، وهي أعلنت أن جهودها سوف تنصبّ على شرق آسيا والمحيط الهندي حيث الصين ومصالحها الاقتصادية وتوازناتها المشتركة معها، وكذلك التوازنات الاستراتيجية التي يجب ألا تهتز بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، إضافة إلى مصالح حليفتها اليابان الدولة الصناعية الثانية في العالم.

هذا الالتفات الأميركي نحو الشرق اقتضى استقرارا في منطقة الشرق الأوسط وشراكة لا بدّ منها مع روسيا وإيران وتركيا، بوصفها دولاً إقليمية لها نفوذ في المنطقة. وقد كان لنجاح التجربة الأميركية – الإيرانية على الساحة العراقية في التعاون أثناء اجتياح العراق عام 2003 والانسحاب منه عام 2011، أثره الفعّال في تكرار هذه التجارب في مناطق أخرى، كما يجري في سوريا حالياً، وما التوقيع على الاتفاقية النووية التي تمت منذ يومين سوى تتويج لسلسلة تفاهمات ناجحة أميركية إيرانية سابقة سوف تؤسّس لتفاهمات لاحقة في منطقة الشرق الأوسط.

في لبنان شعر أنصار حزب الله الشيعة بتغيير لافت في التوجه السياسي لهذا الحزب، إذ اختفت في احتفالات عاشوراء هذا العام اللافتات والإعلانات المكتوبة المعادية لأميركا، وكذلك وُجّهت الهتافات ضدّ إسرائيل دون ذكر لحليفها الشيطان الأكبر الأميركي.

وعلى أمل أن تعمّ روح السلام بين أميركا وإيران في العالم أجمع، فإنه من المفيد أن نعترف بنجاح إيران في فرض نفسها لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط رغم أنف إسرائيل وضيم دول الخليج العربي التي تراجع دورها وانكفأ كلياً. وقد صدقت صحافة الدولة العبرية عندما وصفت الاتفاق النووي بأنه “أكبر انتصار سياسي لإيران في تاريخها”، إذ أن هذا الانتصار وضعها في مصافها كدولة إقليمية قويّة مرشحة لمشاركة الدول الكبرى بلعب دور مهم في رسم مستقبل “الشرق الأوسط الجديد”.

السابق
صيدا: فضائح جديدة عن معمل النفايات
التالي
توقيف 3 مطلوبين في طرابلس وازالة دشم وسواتر