قنّاصة الفتنة … بنجاح باهر!

ابتكر محترفو اشعال الفتنة في طرابلس نمطا لم يتبع في سائر حقبات القتال الاهلي في لبنان لا ماضيا ولا حاضرا باعتبار انه لم يعد ممكنا وصف محنة طرابلس سوى بأنها حرب اهلية. كانت الوسيلة الاكثر نجاعة وفعالية في اشعال خطوط التماس التقليدية في بيروت الحرب الاهلية بعد ١٩٧٥ بيد القناصة الذين شكلوا الامراء الميدانيين الحقيقيين في مراكمة عشرات ألوف الضحايا على امتداد ١٥ عاما. في الايام الاخيرة ابتدع “مجهولون – معلومون” على ما يقال في طرابلس قناصة الاقدام لا الرؤوس. كان يمكن هؤلاء الاشاوس ان يخطفوا الضحايا او يقتلوا من يقع ضحية مكامنهم. لكن اطلاق الرصاص على الاقدام بدا اشد اشعالا للحقد واثارة للرغبة في الثأر وتاليا نجح مبتكر التقليعة نجاحا باهرا في اشعال طرابلس مجددا.

بالمفردات المذهبية “الصافية” بلغ الاحتراب السني – العلوي ذروة غير مسبوقة وهو تطور محسوب بعد خمس سنوات من جولات القتال التي بلغت الرقم ١٨ منذ ٢٠٠٨.
تحولت طرابلس الآن ستالينغراد مذهبية بكل المعايير والوقائع التي تختزل سقوط الدولة والطبقة السياسية والامن الشرعي فيها. استعصت الفتنة المتعملقة على الجميع حتى لو ارادوا اخمادها فكيف اذا صح ان معارك حقيرة من نوع تصفية حسابات وضيعة تواكب جلجلة المدينة؟
هو أمر مفزع فعلا ان يغدو ربط لبنان ربطا جهنميا بالميدانيات السورية بهذا القدر المتعاقب والتسلسلي. يجري نفخ الفتنة الى الاقصى في طرابلس ويبدأ التعداد الرقمي للضحايا اسوة بتعداد الجولات فيما تشهد مقالب اخرى من لبنان مواكب تشييع ضحايا آخرين من مقاتلي “حزب الله” في سوريا. وما بين الجبهتين اللتين تنفثان حمم الاحتقان المذهبي الى سقوف غير متصورة لا تملك الدولة اللبنانية حتى مجرد مسح للضحايا في فصول الموت وجولاته . واقصى ما بات يعلق على خطط امنية تسابق في تعدادها جولات القتال انها بالكاد تقوى على منع اجتياح مسلح لمنطقة سنية من هنا او علوية من هناك.
لن تختلف الجولة الطالعة في طرابلس عن سابقاتها الا باثبات المثبت وهو انها عنوان موت الدولة اللبنانية مع ضحايا الحرب الاقليمية بالواسطة التي استباحت كل رمق للحياة في المدينة. واذا كان يجوز الحديث عن مفارقات وسط هذه المأساة فان المفارقة الاكثر بشاعة تتمثل في ان هذه المدينة التي حملت طويلا لقب “طرابلس الشام” الذي تباهت بدلالته العروبية في زمن القوميات تذوي الآن وتتعرض للخراب العميم بفعل انفجارها تحت وطأة الفتنة المذهبية والحرب السورية كأنها البؤرة المفتوحة ابدا ما دام مصير لبنان ارتهن بالقوة والنار لمصير الشام ولا من يصدقون ذلك على رغم كل هذا الويل.

السابق
البلد: طرابلس مدماة وقادتها عاجزون والجيش في مرمى النار
التالي
دماء طرابلس في رقابهم جميعاً!