قراءة في الاتفاق الايراني- الدولي: أمن إسرائيل

ايران، اسرائيل، الولايات المتحدة
ربما، لا تصح قراءة الاتفاق "التاريخي" بين ايران والدول الغربية بشأن الملف النووي الايراني، إلا من خلال أمن اسرائيل الذي يلتزم الرئيس الاميركي باراك اوباما تغيير خارطة الشرق الاوسط للمحافظة عليه اذا استلزم الأمر منه ذلك.

البداية كانت مع سحب السلاح الكيمائي الذي يملكه النظام الأسدي، وترك سورية تحت وطأة الاسد وجرائمه وفتحه الباب للجماعات التكفيرية التي كان له باع طويل في اختراعها، وبمساعدة ايرانية كما بين أكثر من من مصدر خلال الفترة السابقة، وذلك لتبرير ابادته الشعب السوري والقضاء على ثورته.

والخطوة الحالية تمثلت بالاتفاق على اغلاق مفاعل آراك، وشبه تعطيل لمنشأة فوردو، واكسدة كل مخزون ايران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، وحصر التخصيب الايراني بمنشأة ناتانز وبنسبة لا تتعدى الخمسة في المئة، والسماح للمفتشين الدوليين بمراقبة النشاطات الايرانية النووية عن كثب ويوميا.

وكل هذه البنود تصب في مصلحة اسرائيل التي لا تريد لقوة غيرها في الشرق الأوسط ان تنهض، لا سيما إذا كانت هذه القوة ترفع شعار الممانعة “والموت لإسرائيل””.

من جهتها، تسعى إيران الى التأكيد ان الاتفاق لم يؤثر على نفوذها في الشرق الاوسط وسعيها الى توسيع مداره، وان غلبت اللغة الهادئة والوفاقية لجهة التشديد على أمن الخليج.

كذلك تحاول إيران الترويج للاتفاق على انه انتصار الهي آخر، لكن من دون ان تتجاوز خطوط المنطق، مكتفية بالتشديد على أهمية هذا الإتفاق لرفع العقوبات وتحسين الاقتصاد الايراني المنهار الى الحضيض.

وفي هذا الاطار، ووفق “الراي الكويتية”، كشف مصدر قريب من الرئيس الايراني حسن روحاني لـ “الراي” عن “ان للملف النووي الايراني والاتفاق في شأنه مساراً خاصاً به، وتالياً فلن يكون مرتبطاً بأيّ ملف آخر، كملف لبنان او سورية، رغم ان ما جرى في جنيف سيفتح المجال، ومن دون شك للبحث في ملفات عدة تهمّ ايران والعالم، خصوصاً تلك المتصلة بالاحداث الجارية في الشرق الاوسط”.

وقال المصدر القريب من روحاني: “ان ايران ليست مستعدة لاعطاء فريق او طرف شرق اوسطي اي تنازل لا تكون فيه الغلبة دائماً لخط طهران الاستراتيجي الواضح والمقاوم، مع مراعاة مبدأ حسن الجوار”، لافتاً الى “اننا في ايران كنا بدأنا بدعم هذا الخط منذ الثورة الاسلامية في العام 1979 ولم تؤد عقوبات الاعوام العشرة الماضية الى تغيير المسار، فكيف اذا عادت ايران اليوم الى المسرح الدولي من الباب العريض وبإمكانات أكبر وباعتراف دولي بها كدولة عظمى نووية في الشرق الاوسط، وليست دولة معزولة منفردة وسط بحر عدائي”.

وأشار المصدر الى “ان منطق العداء الدولي لايران ولّى، ودخلت ايران نادي الدول النووية العالمي باعتراف المجموعة الدولية نفسها”، موضحاً “ان الاتفاق المبدئي التاريخي الذي وُقّع في جنيف يعطي الاطراف جميعها الوقت الكافي لعودة العلاقات بين الاطراف المعنية على الصعيد السياسي والاقتصادي الى طبيعتها، وتنتهي تالياً القطيعة القائمة”.

 وكأن الاتفاق الايراني – الدولي ليس سوى نسخة موسعة عن الاتفاق السوري- الدولي. وكلاهما يخدمان اسرائيل ويهملان المصالح العربية، او أكثر من ذلك يلزمان ايران الأمن في الدول العربية بحيث نشهد في الفترة المقبلة توازنات جديدة او حروباً جديدة بين تكفيريين وفئات مناهضة لهم. او حتى يمكن ان تشهد الدول العربية حروباً بين التكفيريين فيما بينهم، ما يضعف العالم العربي ويشرذمه، ويريح اسرائيل، وكذلك يبعد خطر الارهاب عن الدول الغربية ليحصره في الدول العربية.

هذه السيناريو المتشائم هو ما يقلق الدول العربية، وفي تقرير تداولته الصحف صباح اليوم نقرأ انه لم تكد الانباء حول امكانية التوصل الى اتفاقية اولية بين مجموعة دول خمس زائد واحد وايران تصل واشنطن حتى انكب المراقبون على محاولة تقديم سيناريوات لتأثيرها على الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا في سورية، وعلى سياسات وتصرفات حلفاء اميركا مثل السعودية واسرائيل.

في هذا السياق، يقول الخبير اليميني الرصين والتر راسل ميد، أنّ “السؤال التالي” لتوقيع الاتفاقية هو “هل يدفع خوف السعودية وكرهها لايران، فضلا عن غضبها ضد الولايات المتحدة، الى تقاربها مع قطر من اجل دمج القوات السنية في تنظيم واحد فعّال في الحرب السورية؟”.

ويجيب ميد انه اذا لم تنجح السعودية وقطر بتوحيد جهودهما في سورية، “توقعوا ان يستمر تحسن اداء (قوات الرئيس السوري بشار) الاسد، خصوصا بالنظر الى ان اتفاقية نووية موقتة ستمنح ايران المزيد من الاموال”، التي يمكنها ان تنفقها من اجل انقاذ حليفها في دمشق.

واعتبر المعلق دايفيد اغناتيوس ان “انفتاح الولايات المتحدة على ايران سيؤثر على الانقسام الطائفي السني – الشيعي الذي اراق الكثير من الدماء في الشرق الاوسط”.

وتابع اغناتيوس ان الرئيس باراك أوباما كان محقا في ابتعاده عن الصراع السني – الشيعي، ولكن احدى النتائج غير المحسوبة للتقارب مع ايران ستأتي في حال ساد الاعتقاد ان واشنطن تعمل على “استبدال حلفائها السنة القدامى بشركائها الشيعة الجدد”.

وما يزيد من خوف حلفاء اميركا ان واشنطن تحاول التأكيد لهم على التزامها أمنهم، لكنها في الوقت نفسه تسحب قواتها وتتراجع في اللحظة الاخيرة عن شن ضربة عسكرية ضد قوات الاسد، حسب الكاتب الاميركي، الذي يختم انه على الرغم من ان “اتفاقية مع ايران قد تكون من ابرز نجاحات أوباما، لكن يجب التفكير دائما بشكل غير تقليدي حول العواقب غير المحسوبة، خصوصا في الوقت الذي نحاول الاحتفال بنشوة الانتصار الديبلوماسي”.

ورغم الجوانب الايجابية للاتفاق الذي أنجزته القوى الكبرى وإيران وأهمها تجنيب المنطقة الخليجية شبح الحرب، إلا أن المملكة ودول الخليج تخشى أن يؤدي الاتفاق النووي الأخير إلى خلل في التوازنات الإستراتيجية في المنطقة من شأنه أن يؤثر في القضايا التي ترى الدول العربية أنها شأن داخلي بحت. كما تخشى دول “التعاون” أن يسهم الاتفاق النووي في تعزيز الاستقطابات في المنطقة، الأمر الذي من شأنه تصعيد الأزمات الراهنة وأبرزها المسألة السورية ، التي ربطها كثير من المحللين بالملف النووي الإيراني على أساس أن من شأن التوصل إلى اتفاق أن يسهم في حلحلة الموقف السوري والانخراط بفعالية في “جنيف 2”.

لكن المملكة التي رحّبت بالاتفاق وأملت أن يكون مقدّمة لإخلاق منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، كانت عبرت عن وجهة نظرها بضرورة أن يكون الملف السوري جزءاً من الاتفاق النووي، وأن سحب قوات الحرس الثوري ومليشيات حزب الله من سورية من شأنه أن يكون بادرة لحسن نوايا طهران.

وفي افتتتاحيتها أشارت “عكاظ” السعودية الى ان أي حديث أو مفاوضات حول تخلي إيران عن برنامجها النووي هو محض وهم وخيال ومناورات سياسية يديرها طرف واحد يمسك بخيوطها من طهران، ولم يكن فشل مفاوضات جنيف حتى الآن في تحقيق اختراق في الملف النووي الإيراني، إلا فصلا من فصول هذه المناورة بدأت قبل جنيف وستستمر بعدها.

ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنها ستتخلى عن تخصيب اليورانيوم والتقدم في مشروعها، ولن يكون للغة المهادنة التي يستخدمها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني مع الغرب أي تأثير على سير البرنامج النووي؛ لأن مفتاحه ليس بيده بالتأكيد.

من جهتها، نددت إسرائيل بشدة بالاتفاق بين إيران والدول الكبرى معتبرة أنه “خطأ تاريخي” ويشكل “أكبر انتصار ديبلوماسي” لإيران, التي لم تستبعد اللجوء إلى الخيار العسكري ضدها, لمنعها من تطوير قدرات نووية عسكرية.

يبقى ان اي جهد ايراني للتقرب الى المملكة العربية السعودية من شأنه ان يبدد بعض هواجس الدول العربية حيال الاتفاق، وينعكس إيجاباً، لا سيما اذا ما ترافق بشمول الإتفاق بنوداً سرية بشأن حل الأزمة السورية بما لا يناقض الرؤية العربية لرفض بقاء الأسد في السلطة، ولا يناقض المصالح الايرانية التي لا تزال مصرة على زيادة دعمها لحليفها نظام بشار الأسد، وسارعت لنقل شحنة، ليس فقط من الدجاج المجمد، بل وإمدادات طبية ووقود أيضاً.

بيد أن الأمر الأكثر أهمية من هذا هو طلبها من “حزب الله” وميلشياته في بيروت تقديم المساعدات لقوات الحكومة لدعم النظام من أجل تحقيق النصر الذي بات قريباً برأيها على الثوار السوريين.

وعلى الرغم من إنكار طهران إرسالها مقاتلين الى سورية، إلا أن دور “حزب الله” واضح في المناطق التي يعمل بها بشكل مكشوف.

وتشير “الفاينانشال تايمز” الى ان الأزمة السورية شكّلت اختباراً قوياً للعلاقة بين الطرفين، لكن يبدو أن السياسة الواقعية هي التي سادت بالنهاية في طهران التي ترى في الأسد حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه.

وهذا ما يدعو بعض الدبلوماسيين الغربيين للقول إن أكبر خطأ وقعت به المعارضة السورية وحلفاؤها هو عدم تقديرهم على نحو صحيح المدى الذي ستذهب إليه إيران في دعمها لرجلها في دمشق.

السابق
طائرة أميركية حطّت في رياق.. و8 آذار: ولا كلمة
التالي
مؤتمر صحافي لفضل الله في المجلس النيابي اليوم